19 Mar
19Mar

دخل التطور الحضاري الغربي الى حياة مجتمعنا كالموج الجارف بعد ان كنا في انعزال تام عن العالم الخارجي لغاية عقد التسعينيات من القرن الماضي فقد كنا وما زلنا مقيدون بطبائع اجتماعية تميل الى النظام العشائري الريفي الذي يدعو الى الثأر والمغالبة وحب النفس والحشمة والتحفظ المفرط والسعي الدائم وراء الظهور والمشيخة والادمان على الفوضى والتهرب من تنفيذ الانظمة الحكومية المشرّعة فقد ادخلنا هذا وذاك في صراع دائم مع الذات ومن ثم الازدواج في الشخصية … أن تقاليدنا تدعو الى شيء والنظام الحضاري الجديد يدعوا الى شيء آخر يختلف اختلافاً عميقاً عن نشأتنا فقد تسبب هذا في ولادة صراع عنيف داخل نفوسنا الذي جعلنا نختلف في سلوكنا ونزدوج في شخصياتنا فقد صار الابناء ينقلبون على ابائهم ويرحلوا برغباتهم مع فسيفساء الحضارة الجديدة التي شهدوها ونشأوا مع مغرياتها أما الآباء فقد باتوا اسرى تقاليدهم التي أدمنوا عليها بعد ان تشابكت مع جذور ماضيهم حتى تحولت العلاقة بين الابن وابيه إلى علاقة مليئة بالتنافر والجفاء بسبب العوز والحرمان والاختلاف في وجهات النظر والتباعد في الرغبات وتضارب في المصالح فصار الصدام بين الطرفين عادة يومية تزداد توحشا وعنادا ، فلا الابناء يتقبلون نصائح الآباء ولا الاباء يستسلمون لرغبات أبنائهم ولا ندري من هو الاصح في هذا الزمن الذي تغيرت فيه القيم واصبحت علمانية هي الاخرى !
ويستمر هذا السجال في الخلاف والمناهضة حتى ضاقت الصدور وبلغت النفوس اقصى درجات الصبر … أن مجتمعنا بعوز مالي شديد حيث تفتقر شريحة واسعة من هذا المجتمع الى الحد الادنى من موارد العيش لذا نجد أن اكثرهم يعيشون تحت خط الحرمان والعوز الشديد فصار الأب يحتاج الى الابن والابن يحتاج الى الاب والاخت تحتاج الى الاخ والام ذليلة هي الاخرى تحتاج الى اولادها من اجل المساعدة المالية بعد أن ضاق بها الحال .. أن حكوماتنا المتتالية صارت لاتهتم بمجتمعاتها وتركت المواطن هائماً بعوزه الدائم منكب على نفسه وسط الحرمان وشبه الضياع في بلد توقفت فيه الاشغال وأصبح دولة استهلاكية تأكل ولا تنتج وخاصة في حقبة ما بعد سقوط الدولة ما بعد 2003 ، لذا ترى صاحب الموارد المحدودة او الشبه متوقفة يبحث عن من ينجيه في ايام ضائقته ومن هنا انبثق الذل والخضوع والاحتياج والتزلف والتملق للغير، على خلاف المجتمعات الغربية التي درست حكوماتها المخلصة هذا الخلل الاجتماعي الخطير ووضعت مرتب شهري لكل مواطن من اجل ان يعيش به ويحفظ كرامته دون الحاجة الى الغير لذلك ضعف احتياجهم للآخر وصار كل منهم يعيش في كيان مستقل ذات كرامة مصونة وسط بيئة خالية من المشاكل لوجود الاكتفاء النسبي فأن الانسان يفقد كرامته عندما يعجز في الانفاق على نفسه.يبدوا أن الاباء قد يأسوا من  النصح واصابهم الملل من معارضة ابنائهم  ويظهر في الأفق أن الموج الحضاري الغربي القادم هو الذي سينتصر شئنا أم ابينا لآن اباء الماضي الخائفون راحلون بأفكارهم العتيقة وقلوبهم المرتجفة وسيحل محلهم الابناء المجددون كما نرى من التحدي الجريء والانتفاضات الشبابية التي تعم البلاد والعباد بين فترةٍ واخرى فسيأتي مجددون ويرحل محافظون وهكذا دواليك.


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة