27 Apr
27Apr

إن نظرية المؤامرة وحجم التعقيد التي تُعايشها الدول والأنظمة الشرق الأوسطية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية تعكس الانهيار الحقيقي للقيم وصراع النفوذ، من خلال الإعتماد على استيراد ومحاكة المفاهيم والعولمة والتبعية للأنظمة الدولية، وكواليس وغرف أعداد الستراتيجيات والخطط في تمثيل حقيقي للأجندات وصراع المصالح في امتداد النفوذ من خلال التبعية، مجسداً الاستعمارية والإمبريالية الحديثة عبر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان، مستغلة حاجة الشعوب في التحول الديمقراطي نحو الانتقال الى مجتمع يسوده العدالة الاجتماعية وحرية الفرد والتعايش السلمي. 

ولعل العامل الأساسي الذي يشكل الركيزة الهامة لدى الكثير الأنظمة الدولية في تحقيق أجنداتها هي أشكال وأساليب الحوكمة غير الصحيحة التي تتخذ من التفرد بالسلطة، والشمولية الأيديولوجية عبر سوق وإخضاع شعوبها من خلال العمل على تكريس سياسية هدم مفاهيم المجتمع السليم، واشاعة الجهل وانتشار الفقر والتشرد في تكريس الجمود الفكري، والإرهاق النفسي واضعاف الشخصية وعدم الثقة في الذات لتمثيل الخضوع المطلق المبني على العبودية والتبعية اللاإرادية لشعوبها. 

ان جوهر الأزمات في بلدان الشرق الأوسط ومع بداية الألفية الثانية من هذا القرن تعكس حجم المعاناة التي دفعتها شعوب المنطقة على أمل التحول نحو الديمقراطية في تجسيد حالة الأزمة، من خلال صراع المصالح والنفوذ في تشكيل أقطاب ومحاور النفوذ العالمية، والحرب عبر الأفق في اخضاع الشعوب وانشاء سلطات موالية لها على حساب الشعوب، ولعل ذلك الصراع تمثل في تصدير الأزمات لتحقيق نفوذ السيطرة في قيادة أزمات تعكس وتعري مفاهيم الأنظمة التي تقود الصراع عبر إيهام شعوب المنطقة في الحاجة الى التغير والانتقال الديمقراطي، وكما مفهوم الربيع العربي يجسد ويلخص ما أود التعبير عنه. 

ان مفهوم الربيع العربي الذي وجدت من خلاله شعوب المنطقة الأمل والوسيلة نحو الانتقال الى الديمقراطية، وكذلك السلطات التي توهمت بأنه في الوقت نفسه يعتبر التهديد الحقيقي لأنظمتها القمعية في الزوال، ولكن القوة الخفية التي عجزت شعوب وأنظمة الحكم في الدول المتصارعة عن عدم القدرة على اكتشافها هي أن دول وأنظمة خفية قد ادارت ولا تزال تدير الأزمات من خلال إشاعة الفوضى والاقتتال في إضعاف وانهاك الشعوب والدول من خلال استمرارية الحالة تلك، ومصادرة إرادة الشعوب من دون إيجاد حلول حقيقة أو إبداء الرغبة الصادقة في انهاء معاناة الشعوب ووضع نهاية للأزمات تلك. ان الأزمات التي مرت بها الكثير من دول الشرق الأوسط هي تجسيد لحالة النزاع والصراع العسكري والاقتصادي والسياسي والمعاناة والماسي في تعبير وتوصيف حقيقي لإدارة الأزمات تلك وبل أن صناعتها تعتبر تعرية لمواقف وسياسيات بعض الأنظمة الدولية التي تتشدق بقدسية ونبل الديمقراطية والتعايش السلمي وحق الشعوب في تقرير مصيرها. 

ان الأزمة الطائفية وإشاعة الصراع المذهبي وتغذيته في العراق انما هي تمثيل حقيقي للصراع الإقليمي والدولي على تنفيذ الأجندات والمصالح، ومصادرة إرادة الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والمساوة والتعايش السلمي، وكما أن حجم المعاناة والتعقيد في الأزمة السورية واستمراريتها من دون وجود الرغبة الحقيقة لإيجاد حل لإنهاء الأزمة تلك أو إيجاد تسوية سياسية شاملة لإنهاء معاناة السوريين، وكذلك غياب الحلول الدولية لانهاء الأزمة اللبنانية والركود في كل مرافقها ومؤسساتها وغياب القانون واضعافها وتدمير البنية الاقتصادية والركود في جميع نواحي الحياة، وتحويل الحياة في لبنان الى جحيم الأزمات مقابل سيطرة نفوذ اللادولة على الدولة، انما تكريس وتعبير حقيقي لزيف المفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك استمرارية أزمة اليمن انما هو تكريس لسياسة صراع المصالح وتحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ الإقليمي.  

ان الأزمة وحالة الحرب التي يمر بها السودان باتت وبشكل غير خاف على أحد انما حالة من أزمة مصالح وصراع دولي وإقليمي في دعم كلا طرفي الصراع على حساب دعم الجهود الحقيقة في الضغط على الأطراف المتصارعة لإيجاد حل للأزمة وإيقاف الحرب، وكما تعتبر تجسيداً واستمرارية للأزمات التي تعاني منها دول الشرق الأوسط من دون إيجاد الرغبة الحقيقة في انهائها.

في المحصلة، ان الأزمات والصراع بكل جوانبه السياسي والاقتصادي والعسكري والأيديولوجي في دول الشرق الأوسط انما تتحمل مسؤوليتها الشعوب والأنظمة والحكومات (الحكومات المسؤولية الأكبر لأنها تقود الشعوب) في تلك الدول، كونها اتخذت من نفسها رهينة مسيطرة عليها ومسلوبة الإرادة والقرار من قبل الأنظمة الدولية والتي تمثل الإمبريالية والاستعمار الحديث عبر تعرية مفاهيمها التي تنادي بالديمقراطية  والتعايش السلمي وحقوق الإنسان ومحاربة الديكتاتورية والتخلص منها، ولكن السؤال الذي يراود مخيلة الشعوب في المنطقة وكل متابع للأزمات هل أنها ستبقى مسلوبة الإرادة، أم أنها راضية عن تسليم إرادتها وحقها في تقرير المصير الى الأنظمة التي تتخذ من المفاهيم والنظريات الإنسانية، وحقوق الإنسان وتقرير المصير والتطلع نحو الديمقراطية ومحاربة الديكتاتورية شعارات ومفاهيم مزيفة من أجل استمرارية فرض ارادتها واستمرار معانتها.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة