25 May
25May

منذ أيام لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مصرعه مع وزير الخارجية أمير حسين عبداللهيان وعدد من مرافقيه إثر تحطم المروحية التي كانت تقله.
الحدث جلل ومفاجئ وحتى الآن لم تتضح أسبابه، وهل كان بالفعل حادثة أم مدبراً؟ الجميع ينتظر حتى تتضح نتائج التحقيقات التي أعلنتها إيران وكذلك التقرير الفني للمروحية، لكن بعيداً من الرواية الرسمية التي ستعلنها طهران للجميع فإن الحادثة ألقت الضوء على عدد من الملاحظات ترتبت عليها دلالات وتداعيات.
أولاً: ملاحظات ترتبط بالحادثة
ألقت الحادثة الضوء على تباطؤ وسوء إدارة الدولة، فقد مرت ساعات طويلة دون تمكن فرق البحث والإنقاذ الإيرانية من إيجاد المروحية، فضلاً عن تضارب التصريحات الصادرة عن جهات عدة ما بين أن الرئيس قد تمكن من الوصول براً إلى أحد الأماكن أو أنه لم يعثر عليهم، وجاءت فرق البحث والإنقاذ غير المجهزة بأدوات متقدمة تمكن من البحث ليلاً، وفى أجواء ضبابية تتسم بها تلك المنطقة، إلى أن جاءت المساعدة من تركيا التي تمكنت عبر مسيّرات "أكنجى" من تحديد مكان حطام المروحية.
وفي حين أعلنت تركيا ذلك وضعت إيران في موقف حرج، ولا سيما أن طهران تتباهى بصناعة المسيرات التي تزود بها كل حلفائها في المنطقة من سوريا والعراق واليمن، ناهيك عن روسيا في أوكرانيا، ومع ذلك عجزت أي منها عن تحديد مكان سقوط مروحية الرئيس، وهذا الإحراج لإيران يفسر لماذا حدث السجال بين أنقرة وطهران حول من عثر أولاً على حطام المروحية.
كما أن المساعدة التركية لإيران أثارت في الداخل نعرات الكرامة المرتبطة برسم المسيرات التركية للعلم التركي في سماء إيران، فضلاً عن الشكوك حول قيامها بالتصوير الجوي لتلك المنطقة الإستراتيجية، وهي العضو في حلف الـ "ناتو".
حمّل وزير الخارجية الإيرانية السابق جواد ظريف حكومة طهران مسؤولية الحادثة نظراً إلى تقادم وتهالك النقل الجوي بفعل العقوبات الأميركية، وعدم القدرة على استيراد قطع غيار حديثة للطيران الموروث منذ عهد الشاه، وهنا لا بد من التركيز على أولويات النظام الإيراني، فبينما نجح تحت ظل العقوبات المفروضة عليه منذ تأسيسه قبل أكثر من 42 عاماً في تطوير القدرات الجو-فضائية وتطوير أقمار اصطناعية يقوم بتجارب إطلاق لها كل فترة، وأعلن أنه بصدد تطوير صواريخ عابرة للقارات، فضلاً عن تطوير برنامج نووي متقدم يدعي اقترابه من صنع القنبلة النووية، ومع ذلك لم يتمكن من تطوير النقل الجوي، وإذا كان تعذر ذلك لأنه يحتاج إلى تكنولوجيا مختلفة عن صناعة الصواريخ الإيرانية، فلماذا لم يعمد إلى الحصول على طائرات من الصديقين الروسي والصيني.
في جزئية أن المروحية التي استقلها الرئيس الإيراني أميركية الصنع يُطرح التساؤل حول استخدامه في تلك الرحلة والأحوال الجوية السيئة لتلك المروحية، في حين استقل مرافقوه الطائرتين الأكثر تقدماً واللتين وصلتا بسلام، في حين تحطمت مروحية رئيسي.
في حين تقدمت إيران بطلب المساعدة من تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي لتشغيل خدمة خرائط الاستجابة السريعة (كوبرنيكوس أي أم إس) التابعة للاتحاد الأوروبي، ثم أعلن البيت الأبيض أن طهران طلبت المساعدة في العثور على مروحية رئيسي لكن واشنطن لم تفعل لأسباب لوجستية، يثير هذا التساؤل حول أنه يمكن لطهران طلب المساعدة من الغرب، فلماذا تظل تتبنى سردية الاضطهاد والمظلومية، في حين أنه يمكن أن تنسج علاقات طبيعية من الإقليم والغرب، وهو ما ظهر كذلك في رسائل التعزية والبيانات الصادرة عن دول الخليج والدول العربية التي تتضامن مع إيران دولة وشعباً في تلك الحادثة.
ثانياً: ملاحظات ترتبط بتداعيات الحادثة
للحادثة تداعيات على مستوى الداخل الإيراني، فوفاة رئيسي يترتب عليها تولي نائبه الأول المسؤولية لحين الدعوة إلى عقد انتخابات رئاسية جديدة خلال 50 يوماً، وهو ما تحدد يوم الـ 28 من يونيو (حزيران) المقبل، وهذا ليس بالأمر المهم لأن منصب الرئيس في إيران يشبه رئيس الوزراء، فهو رئيس السلطة والجهاز التنفيذي، لكن أهمية رئيسي بالذات لكونه كان أحد المرشحين بقوة لخلافة المرشد الإيراني إلى جانب ابنه مجتبى خامنئي، أي أن وفاته ستتجلى تأثيراتها ليس في انتخابات الرئاسة، بل في خلافة المرشد ليتحدد من هو المرشد الثالث لإيران.
وفى ضوء تشديد وحرص المرشد الإيراني علي خامنئي على اختيار خلفه ليكون شخصية ثورية مؤمنة بمبادئ الجمهورية الإيرانية وأيديولوجيتها، كان رئيسي أحد المقربين من خامنئي وقيل إن إعداده للرئاسة كان خطوة تمهيدية نحو خلافة المرشد، وفي كل الأحوال ففي ظل وجود رئيسي أو عدمه كان المرشد والحرس الثوري هم من لهم القول الفصل في اختيار المرشد الثالث.
من غير المتوقع أن تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة برئيس من خارج التيار المتشدد ومرتبط بـ "الحرس الثوري" وقياداته، على غرار رئيسي، وهنا يُطرح التساؤل، هل يمكن أن يجد التيار الإصلاحي والمعتدل فراغ السلطة والانتخابات فرصة لإعادة تشكيل نفسه والعودة للمشهد السياسي؟ وفى حال تمكن من ذلك فهل يمكن عودة الثقة للمواطنين المحبطين، سواء من التيار "الإصلاحي" منذ ولاية حسن روحاني أو من النظام بشكل عام؟ وهل يمكن النزول للتصويت مرة أخرى؟
سيواجه النظام الإيراني عند إجراء الانتخابات الرئاسية معضلة نسب التصويت مجدداً، ففي كل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، سواء الرئاسية أو البرلمانية ومجلس الخبراء، كانت نسب التصويت الأقل في تاريخ النظام منذ تأسيسه، ولم يعد المواطنون المحبطون والساخطون من النظام يعتقدون أن صناديق الاقتراع هي الطريق إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وقد ظهر ذلك الاحتقان عبر الحركة الاحتجاجية التي استمرت أكثر من تسعة أشهر وعرفت بـ "احتجاجات الحجاب"، لذا فإذا كان النظام الإيراني يرغب في منح الأمل للمواطنين وتحسين صورته الخارجية فعليه أن يسمح من خلال "مجلس صيانة الدستور" بمزيد من الناخبين من مختلف التيارات السياسية، حتى يمكن للمواطن النزول أملاً في تحسن الأحوال.
لكن في ظل نظام يتجه نحو مزيد من الراديكالية والتشدد وسيطرة "الحرس الثوري" والأصوليين على مقاليد السلطة السياسية والتنفيذية والتشريعية، فمن غير المرجح أن يمنح ذلك الفرصة لمواطنيه، بل سيقصر الترشح للرئاسة على المرشحين المنتمين إلى التيار المتشدد ممن لديهم علاقات مع الحرس الثوري والأجهزة الأمنية، وهذا لا يعني أن إيران لن تواجه داخلياً اضطرابات، فقد يحتقن التيار "الإصلاحي" ويصطدم برغبات النظام، أو تحدث التنافسات السياسية بين أنصار التيار المتشدد وحده.
من غير المتوقع أن يكون هناك تغيير على مستوى السياسات الخارجية، فستظل السياسة الخارجية الإيرانية متسمة بالعسكرة وتولي "الحرس الثوري" رسم وتنفيذ جزء منها، والجزء الأهم هو استمرار العلاقة مع الميليشيات في الإقليم، وهو ما اتضح من الاجتماع الذي عقده قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي وقائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني في طهران مع قيادات من حركة "حماس" وجماعة الحوثي اليمنية وجماعة "حزب الله" اللبنانية على هامش تشييع جثمان رئيسي ورفاقه، بحسب "وكالة تسنيم" الإيرانية.
والأمر الآخر هو أن ملفات السياسة الخارجية مثل البرنامج النووي والعلاقة مع الغرب وواشنطن والعلاقة مع دول الجوار يحددها المرشد الإيراني بالتعاون مع "الحرس الثوري" و"مجلس الأمن القومي"، ويعد منصب رئيس الدولة ووزارة الخارجية أداتين لتنفيذ ملامح السياسة المرسومة من قبل المرشد، فالمرشد الإيراني هو من منح الضوء الأخضر لعقد الاتفاق النووي عام 2015، وهو من يؤمن بسياسة النظر نحو الشرق وتعميق العلاقات مع روسيا والصين في مواجهة الغرب، ومن ثم فلا يمكن توقع تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية، ومن جهة أخرى قد يكون من المفيد إعادة النظر في تقييم القوة الحقيقية لطهران التي تثبت في كل أزمة تواجهها ضعفاً وتراخياً، سواء على مستوى إدارة الأزمة أو قدراتها الحقيقة، ولا سيما المسيّرات التي تغرق بها المنطقة، وتعد أهم أدواتها الإقليمية إلى جانب الميليشيات، أي إن الميليشيات هي فقط الذراع الفعالة في إستراتيجية إيران الإقليمية، وفيما عدا ذلك فلا بد من تقييم قدراتها الحقيقية والعمل على إضعاف العلاقة مع تلك الميليشيات، ليمكن الحد من التأثير السلبى لتلك الإستراتيجية.
* نقلا عن "إندبندنت عربية"


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة