الكهرباء في العراق مشكلة المشكلات.
جرى حل الكثير من المشكلات الكبرى لكن مشكلة الكهرباء لم تحلّ.
كل حكومة تأتي، يصرح وزير كهربائها أن مفتاح الحل بيده، وأن المشكلة في طريقها إلى الحل.
وسرعان ما يتضح انها مشكلة مستعصية، وتصبح وعوده محل سخرية الشارع، الذي يعاني على الدوام صيفا حارقاً، لا تخفف من لهيبه كل الوعود والتصريحات الحالمة.
كل حكومة تأتي يكون حلّ مشكلة الكهرباء من أولوياتها، لا شك في ذلك، ليس ثقة بالحكومات ووزارئها بالضرورة، انما استناداً إلى المنطق الذي يدفع الحكومات إلى تحقيق انجاز يكسبها شعبية كبيرة، ولا أعتقد أن هناك ملفّاً يكسب الحكومات شعبية أكثر من حل أزمة الكهرباء.
لو طرحت سؤالا حول مكمن أزمة الكهرباء في العراق على المختصين والسياسيين، لجاءت الأجوبة متناقضة بشدة.
هناك من يختصر المشكلة بالقول إن حل مشكلة الكهرباء في العراق مرفوض من قوى خارجية مستفيدة، والراحل الدكتور أحمد الجلبي يقول في حديث موثق بأن “هناك سرّا ما في موضوع الكهرباء”.
فنيّون يتحدثون عن خلل في كل مراحل الإنتاج والنقل والتوزيع.
فالإنتاج يعاني مشكلات الوقود وغيرها، وخطوط النقل مهترئة وتحتاج إلى تجديدها، والتوزيع يعاني خللا كبيراً بسبب ضعف الشبكة والأعطال المستمرة خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة.
آخرون يقولون إن ضعف الجباية وكثرة التعديات على الشبكة يشكلان أساس المشكلة، فلو كانت هناك جباية لاضطر الناس إلى ترشيد الاستهلاك، وبالتالي ستتوفر الطاقة لساعات أطول، وربما تغطي كل ساعات اليوم، ويستدل على ذلك بالأحياء البغدادية، التي جرت تجربة الجباية بواسطة شركات قطاع خاص فيها مع وقف التجاوزات على الشبكة.
بنظرة شاملة تبدو هذه الأسباب كلها منطقية بل وحقيقة، فهي تتضافر جميعها لمنع حلّ مشكلة الكهرباء المستديمة.
في العام 2015، صدر تقرير عن معهد بروكينغز الأميركي للابحاث، ورد فيه أن العراق يخسر سنويا 40 مليار دولار، بسبب نقص الطاقة.
هذه الخسائر تشمل الأموال التي ينفقها العراقيون على شراء الطاقة من المولدات الخاصة، وخسائر قطاعات الصناعة والزراعة، فضلا عن المشكلات الصحية التي يسببها لانقطاع المستمر للكهرباء.
الصناعة شبه متوقفة بسبب نقص الكهرباء، وكلف المصادر البديلة، كما أن هذه الكلف تضيف أعباء مالية على القطاعات السياحية والخدمية، وبعض الصناعية يتحملها المواطن ارتفاعا في الأسعار.
كثير من العقود وقعتها الحكومات العراقية منذ العام 2003 وحتى اليوم، مع شركات عالمية، سواء تتعلق بزيادة الإنتاج، أو تحديث خطوط النقل، لكن أياًّ منها لم يغير من الواقع، وغالبا ما يكمن السبب في الفساد.
في العام 2022 وقع العراق عقداً مع شركة “بيكر هيوز” الأميركية لاستغلال الغاز المصاحب في حقوق الناصرية وشمال البصرة، ولم نسمع منذ ذاك هل بدأت العمل أم لا؟.
اليوم نسمع عن عقود مع شركة توتال بالمليارات، بينها جزء كبير لاستثمار الغاز. كل الامل أن يكون مشروعا حقيقياً.
لدينا مشكلة كهرباء، وأزمة كهرباء.
الأولى مستدامة، والثانية موسمية تتفجر في فصل الصيف. الصراع الأميركي الإيراني يلقي بظلاله على هذه المشكلة فيفجر أزمة فيها كل صيف.
يبقى الفساد أساس المشكلة، فالغاز المصاحب حال الفساد دون استثماره حتى الان، والتعليق على الشبكة فساد، وغياب الجباية فساد، وعقود انشاء المحطات يحبطها أو يضاعف كلفها الفساد، وعقود الصيانة الموزعة بين شركات الصيانة الحزبية فساد، وعقود الجباية بواسطة شركات حزبية فساد و… هلّم جرّا.
الفساد أساس الخراب في العراق…
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *