19 Mar
19Mar

إن أصوات واهتمامات البلدان النامية في الأمم المتحدة، والتي يشار إليها مجتمعة بإسم «الجنوب العالمي»، تعطي الأولوية للسلام والأمن والتنمية. هذه الأهداف تتطلب إطاراً متكاملاً للتعاون الدولي، بمشاركة بلدان الجنوب على قدم المساواة في عملية صنع القرار.
الهوية الجماعية للجنوب العالمي بدأت بالظهور في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 1963، عندما بدأت الدول النامية تعديلين مهمين على ميثاق الأمم المتحدة حزيران 1945 من أجل تمثيل أكبر في هيئات الأمم المتحدة. هذه التعديلات أدت إلى زيادة عدد الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة UNSC من 6 إلى 10، وعدد الأعضاء المنتخبين في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ECOSOC من 18 إلى 27. وفي عام 1971، تم تعديل الميثاق مرة أخرى زيادة عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي ECOSOC إلى 54 عضواً يمثلون جميع المناطق الجغرافية في العالم.
في حزيران 1964، أنشأ الجنوب العالمي منبره في الأمم المتحدة، والذي أطلق عليه اسم مجموعة الـ 77 دولة نامية (G-77). سعت مجموعة الـ 77 إلى إجراء إصلاحات هيكلية في الأمم المتحدة لدعم أولوياتها في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية. استجابت الجمعية العامة للأمم المتحدة UNGA بتأسيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في عام 1965. واليوم، ينشط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 170 دولة، معظمها في الجنوب العالمي. إنها «وجه الأمم المتحدة» على الأرض، حيث تدعم مجموعة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية الوطنية التي يتم تنفيذها بالتنسيق مع الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، مما يؤثر على جميع جوانب المساعي الإنسانية.
وفي تشرين الأول 1967، تم اعتماد ميثاق الجزائر في الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة الـ 77. و دعت إلى إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد لتسريع تنمية الجنوب العالمي. و رداً على ذلك، أعربت العديد من البلدان المتقدمة عن قلقها إزاء تأثير التنمية السريعة على البيئة. و في مؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالبيئة البشرية في حزيران 1972، رفضت دول الجنوب العالمي مثل الهند هذه المحاولات لتقييد التنمية بسبب حماية البيئة، قائلة إن «الفقر هو أكبر ملوث».
الحق في التنمية
اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة «الحق في التنمية» باعتباره «حقًا إنسانيًا غير قابل للإهمال» في عام 1986 من خلال قرار تم التصويت عليه، وعارضته بعض الدول المتقدمة. في عام 1987، قدمت لجنة برونتلاند التابعة للأمم المتحدة تقريرها عن «التنمية المستدامة»، والذي نجح في التوفيق بين مطالب الجنوب العالمي لتسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الهدف المقبول عالمياً المتمثل في حماية البيئة. وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود، في ايلول 2015، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (SDGs).
تمثل أجندة 2030 تعزيز أولويات الجنوب العالمي. و يشكل التزامان مهمان «بوسائل التنفيذ» لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) جزءاً لا يتجزأ من خطة عام 2030. و يتعلق هذان الالتزامان بتدفق الموارد المالية من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، و نقل التكنولوجيات المناسبة إلى الجنوب العالمي.
تنعكس مخاوف الجنوب العالمي اليوم في التقييم الذي أجراه قادة العالم المجتمعون في قمة أهداف التنمية المستدامة التي عقدتها الأمم المتحدة في ايلول 2023 بأن «تحقيق أهداف التنمية المستدامة في خطر» بسبب «الأزمات العديدة» التي تواجه العالم. وعلى رأس قائمة الأزمات يأتي تأثير جائحة كوفيد-19 غير المسبوقة والتصعيد الحاد في الصراعات العنيفة، وكلاهما أثر سلباً على أعداد كبيرة من الناس، لا سيما في الجنوب العالمي.
عندما تم اعتماد أجندة 2030 في عام 2015، كان 60 مليون شخص في جميع أنحاء العالم متأثرين بالصراعات العنيفة المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. و تضخم هذا الرقم إلى 314 مليون شخص في عام 2022، معظمهم في الجنوب العالمي. في تشرين الأول 2022، أفاد البنك الدولي أن جائحة كوفيد دفعت 90 مليون شخص إضافي، معظمهم في بلدان الجنوب العالمي، إلى مصاف 670 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم يعيشون تحت خط الفقر (2.15 دولار في اليوم).
إن الصراعات المستمرة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا وأوروبا، و التي تظهر صور الحروب في أوكرانيا و غزة على وسائل الإعلام الدولية، تعرض أجندة 2030 للخطر. و تعزى هذه الصراعات إلى مجلس الأمن الدولي غير الفعال على نحو متزايد. و يسعى أعضاؤها الخمسة الدائمون إلى الحفاظ على وضعهم المهيمن الذي يمنحهم حق النقض، على الرغم من حقيقة أن الأعضاء الخمسة الدائمين كانوا طرفًا في تفويض الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في ايلول 2005 لإجراء إصلاحات مبكرة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك مسألة حق النقض.
لقد خلق مجلس الأمن الدولي غير الفعال المجال لظهور نزعة الحماية العدوانية والنزعة العسكرية في البلدان المتقدمة، حيث تسعى الأحادية إلى استبدال التعددية.
على الرغم من المعارضة القوية من المصالح الحمائية الراسخة في البلدان المتقدمة، دعمت أكثر من 100 دولة من دول جنوب الكرة الأرضية مبادرة الإعفاء من اللقاحات في منظمة التجارة العالمية في حزيران 2022 للتخفيف من جائحة كوفيد. في كانون الأول 2023، صوتت 131 دولة من دول الجنوب العالمي لصالح اعتماد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين «استمرار التطبيق والإنفاذ الأحادي الجانب من قبل بعض القوى للتدابير القسرية الانفرادية»، و رفضت تلك التدابير «بكل آثارها التي تتجاوز الحدود الإقليمية».
وقد قامت الهند بتنسيق استجابة الجنوب العالمي لهذه التحديات المستمرة من خلال عقد قمتين افتراضيتين لصوت الجنوب العالمي في كانون الثاني و تشرين الثاني 2023 خلال رئاستها لمجموعة العشرين. و شاركت 125 دولة، بما في ذلك 47 من أفريقيا، و 31 من آسيا، و 29 من أمريكا اللاتينية، و 11 من أوقيانوسيا، و 7 من أوروبا للتعبير عن مخاوفهم و البحث عن حلول من خلال إصلاح الهياكل المتعددة الأطراف. في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في 9 ايلول 2023، أعلنت الهند إدراج الاتحاد الأفريقي المكون من 55 دولة في مجموعة العشرين باعتباره العضو الحادي والعشرين، مما أدى إلى توسيع تكوين المجموعة وتركيزها بشكل كبير لصالح الجنوب العالمي.
اصلاح المؤسسات
لقد سعى زعماء الجنوب العالمي إلى إصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف حتى تتمكن من الاستجابة بفعالية للتـــــــــــحديات التي تواجه العالم اليوم.
وينصب تركيزهم الحالي على قمة الأمم المتحدة للمستقبل في ايلول 2024 في نيويورك. سيكون هدف الجنوب العالمي من هذه القمة هو التكليف بعقد مؤتمر عام للأمم المتحدة في عام 2025. ويمكن لنتائج هذا المؤتمر، استناداً إلى الحوار والدبلوماسية، تنشيط الأمم المتحدة، و استعادة سلامة الإطار الدولي المتكامل لتحقيق أهداف و اولويات الجنوب العالمي.
 الممثل الدائم السابق للهند لدى الأمم المتحدة في نيويورك


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة