في زوايا منسية ومظلمة، تختبئ مآسٍ صامتة لأرواح بريئة سُلبت منها طفولتها. أصوات خافتة لفتيات صغيرات، أحلامهن محطمة وآمالهن مدفونة تحت ثقل زيجات قسرية. عيون تملؤها الدموع ونظرات حائرة تتساءل: لماذا أنا؟ في ذلك الربيع المفعم بالحياة، كانت الصبايا الصغيرات يرقصن بين البراعم المتفتحة، غافلات عن المؤامرات التي حاكتها عقول الكبار المريضة. بدلاً من اللعب والضحك والتنعم بطفولتهن البريئة، سيكون مصيرهن موضوع جدل مرير بحكمهم الجائر وأطماعهم التي لا حدود لها، يحكمون أقدار هؤلاء الفتيات بقرارات جائرة تحطم آمالهن وتنتزع منهن براءة الطفولة. إن زواج الأطفال جريمة ضد الإنسانية تستحق المعاقبة. فكيف لنا أن نتطلع إلى مستقبل مشرق وأجيال واعية، إذا كنا نسلب من أطفالنا حقهم الأساسي في التعليم والنمو والتطور؟ فبهذا نخون مستقبل هذا الوطن، ونخذل الأمانة التي حملناها من أجل حماية أطفالنا وبناء مجتمع عادل. تحطيم احلام علينا أن نتساءل: أي مجتمع نبني عندما نسمح بتحطيم أحلام نصفه؟ أي مستقبل ننتظر عندما نحرم فتياتنا من حقهن في التعليم والنمو؟ غدًا، ستكبر هؤلاء الفتيات الصغيرات وينضممن إلى صفوف المحرومات والمستضعفات في المجتمع. وبدلًا من أن يكنّ قدوة للشباب المتعلم والواعي، سيكونن ضحايا لقوانين ظالمة وغير عادلة. واقع يهدد حقوق الأطفال ويعصف بأحلامهم، والذي يُعتبر انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وجريمة إنسانية تُكسر فيها أحلام الطفولة وتُسلب الحقوق تتطلب منا جميعًا التنديد بها. أيها القارئ تخيل ولو للحظة: ماذا لو كانت ابنتك الصغيرة هي من تُزف إلى رجل يكبرها بسنوات…!! دون وعي أو إرادة…؟ هذا المشهد الأليم يُثير في نفوسنا الحزن والغضب والوقفة الجادة والصرخة بوجه الباطل، فهي تعكس أبشع أشكال الظلم الذي يتعرض له الأطفال في مجتمعاتنا .. أليس من الأجدر أن نعيد النظر في تلك التقاليد والقوانين التي تسلب الطفولة وتُفقدهم حقهم في النمو والتعلم…….؟ كان الأجدر بنا أن نوفر بيئة تعليمية راقية ومتطورة، ذات مستوى رصين لتعليم اطفالنا وتثقيفهم لخلق جيل واع فكرياً وادبياً ……. ولنهتم بمن يربين الجيل القادم، ويخلقن شبابًا واعيًا ومثقفًا. فهن يمثلن العمود الفقري للمجتمع، وعليهن تقع مسؤولية تنشئة أجيال المستقبل… ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى الاستثمار في تطوير قدراتهن واستثارة مواهبهن، فذلك الاستثمار الحقيقي في بناء مجتمع واعٍ ومزدهر. لا يوجد إنسان عاقل يمكنه تبرير زواج طفلة في عمر التاسعة أو ما يقاربه. إن هذه الممارسة ليست فقط منافية للفطرة السليمة، بل هي اعتداء صارخ على حقوق الطفل وكرامته الإنسانية. المرأة الناضجة وحدها هي من تملك القدرة على اتخاذ قرار الزواج بإرادتها الحرة والواعية. حق الاطفال إن من يشرع أو يؤيد مثل هذه القوانين الجائرة، عليه أن يتصور للحظة أن الأمر يتعلق بأطفاله. هل سيرضى أن تزف ابنته الصغيرة إلى رجل يكبرها بسنوات؟ بالطبع لا. فلماذا إذن نسمح بهذه الجريمة في حق أطفال الآخرين؟ الدين، في جوهره النقي، لا يمكن أن يدعو إلى مثل هذه الممارسات الظالمة. بل على العكس، فإن جميع الأديان السماوية تؤكد على حماية الضعفاء والمستضعفين، وتدعو إلى العدل والرحمة. من يستغل الدين لتبرير الظلم إنما يشوه صورته الحقيقية ويخالف تعاليمه الإنسانية. إن مسؤوليتنا كمجتمع تحتم علينا التصدي لهذه الظاهرة المؤلمة بكل الوسائل المتاحة… وعلى المؤسسات التعليمية والإعلامية نشر الوعي بخطورة هذه الممارسة وآثارها المدمرة على الفرد والمجتمع. «بصوت عالي لا لزواج القاصرات» ولتعلموا أن في نهاية كل يوم، وبينما يخلد العالم للنوم، هناك طفلة صغيرة تبكي في صمت، تحتضن دميتها للمرة الأخيرة قبل أن تُجبر على تركها. تنظر إلى صورتها في المرآة، ترى وجهاً طفولياً يُكسى بالخوف والحزن. تتساءل في قرارة نفسها: لماذا لا يسمعني أحد؟ لماذا لا يرى أحد دموعي؟ غداً، ستكون عروساً صغيرة، تحمل باقة ورد بدلاً من حقيبة مدرسية، ترتدي فستاناً أبيض بدلاً من زي المدرسة. ستودع طفولتها، وتدخل عالماً لم تختره، لم تفهمه، ولم تكن مستعدة له….! كل منا يحلم، يأمل، ويستحق الحماية والرعاية. فلنكن صوتاً لهؤلاء الأطفال الصامتين، ولنعمل معاً لوقف هذه المأساة. لأنه في كل مرة نسمح فيها بزواج طفلة، نقتل جزءاً من إنسانيتنا، ونطفئ شمعة من شموع المستقبل المشرق الذي نحلم به لأطفالنا جميعاً.» لنرفع أصواتنا عاليًا ونقف صفًا واحدًا، مجتمعات وحكومات ومنظمات، لحماية براءة أطفالنا وفتياتنا وضمان حقهم في النمو في بيئة آمنة ومحبة. فلنكن صوتًا للذين لا صوت لهم، ولنعمل معًا من أجل عالم يحترم فيه حقوق الطفل وكرامته. فبحماية أطفالنا، نحمي مستقبلنا ونبني مجتمعًا أكثر عدلًا وتقدمًا.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"