يجري الآن تداول قضية إيجاد مصادر أخرى لتشكيل الدخل القومي العراقي أو لتعزيز الموازنة المالية السنوية التي تعاني احيانا من عجز متفاقم، من عائدات غير النفطية، ويبرز على طاولة التداول الاستثماري، القطاع الصناعي بشقيه الخاص والعام، وللتمكن من الوقوف على علل الاستثمار في كلا القطاعين راهنا، فلا ضير من سرد قصة الاستثمار الصناعي بالتوازي مع قيام الدولة العراقية الحديثة، وتوثيق بعض الانعطافات التاريخية الايجابية والسالبة في مسار الاستثمار الصناعي، فتسمية هذه البقعة من الأرض كانت ترمز إلى الوفرة والامتلاء، لقد أسموه الإغريق بـ(ميزوبوتاميا) أي بلد النهرين، لحق ذلك تسمية (أرض السواد) لاكتساء أرضه بالخضرة الدائمة، وفي غمرة الاستعمار البريطاني في مطلع القرن العشرين تأسست دولة العراق الحديثة، وفقاً للتصميم الانكليزي، محفزا بما يمتلكه هذا البلد من ثروات هائل. وكانت عملية بناء دولة العراق تمضي على قدم وساق، من خلال تشيد هياكل الدولة ومؤسساتها والوزارات، رافق ذلك أنشطة اقتصادية واجتماعية سريعة، توضحت جلياً في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فقد تبلورت كدولة حديثة، وكانت هناك في سنوات الغهد الملكي نهضة صناعية ملموسة ومتنوعة، أتيح للقطاع الصناعي أن ينشط ويتوسع، وكان المنتج المحلي لبعض الصناعات يكاد يسد الحاجة المحلية، وبدلا من استثمار الزيادة في الإنتاج النفطي في توسيع القاعدة الصناعية، بدا الميل يتجه نحو الاعتماد على العائد النفطي في تشكيل الموازن، وبدأ الاقتصاد العراقي يتحول إلى اقتصاد احادي المصدر،اي صار ريعيا بامتياز، والذي عزز هذا المسار الاقتصادي هو القوانيين والتشريعات الحكومية التي قلصت مساحة القطاع الخاص، كحملة التاميم المسعورة لكل الصناعات حتى الصغيرة منها، التي جرت في سنة 1964 تشبها بما كان يجري في جمهورية مصر العربية، وتحولت الملكية إلى القطاع العام المترهل الذي كان يعاني من تناقص انتاجي مستمر، لحق ذلك بعد 1968، تاميم القطاع التجاري عبر سيطرة الدولة على الاستيراد والتصدير والتسويق المحلي، وبهذا تكون الدولة قد اطبقت على كل قطاعات الاقتصاد ، وفي مقدمتها القطاع الصناعي في مرحلة ما بعد 2003 شهدت غياب تنوع الانتاج العراقي نتيجة هيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد العراقي الذي يتعرض إلى تقلبات أسعار النفط في السوق العاملية، مما أدى إلى تراجع أداء القطاعات الانتاجية، وبالخصوص القطاع الصناعي، والسبب في ذلك غياب الاستراتيجيات الناجحة لإنعاش واقع في الإنتاج القطاع الصناعي لاسيما القطاع العام الحكومي. لذلك شهد هذا القطاع تراجعا بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والفساد المالي والإداري المستشري في مؤسسات الدولة، وقد ركزت الحكومة العراقية على تطوير القطاع النفطي، الذي تعرض إلى انتكاسات كبيرة نتيجة التراجع المستمر في أسعار النفط العالمية، وأهملت باقي القطاعات الاقتصادية. وهذا يعني عدم وجود توازن يهدف إلى تنويع الاقتصاد العراقي، وبالأخص القطاع الصناعي الذي يعاني منذ القرن الماضي من تدهور وانخفاض في الإنتاجية الصناعية . وبعد عام 2003 فقد زادت معاناة هذا القطاع، من خلال تعرض جميع القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الصناعي إلى عمليات السلب والنهب والتدمير. وفي الوقت الحاضر فإن أغلب المنشآت الصناعية العامة والخاصة، أما متوقفة عن الإنتاج أو ذات إنتاجية واطئة لا تسدُّ حاجة السوق المحلية. لذلك فهذا القطاع قد شكل عبئا على الموازنةً العامة للدولة بسبب عدم تحقيق أقل الايرادات من أجل تغطية نفقات القطاع العام. إلى درجة جعلت من الحكومة لصناعة بلا إنتاج. وعليه فإنها تدفع أجور العاملين في الصناعة من الموازنة العامة الممولة أساسا من الإيرادات النفطية، لذلك فالتصنيع يعد الحجرة الأساس في عملية التنمية الاقتصادية من خلال التخطيط الصحيح لإنعاش الصناعة العراقية. ومن خلال ما تقدم، فإن قدرة التصنيع على رفع مستوى الدخل القومي، تنبع من قدرته على استعمال الوسائل التكنيكية ذات الكفاءة الإ نتاجية العالية، بما يرافق ذلك من تخصص وتقسيم العمل يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الا نتاجية، وبالتالي ارتفاع الناتج القومي.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"