لقد وضع الرئيس ماكرون بلاده على حافة انفجار العنف والفوضى، وفاقم حالة التخبط التي سقطت فيها البلاد بعد استمرار الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي أثارها مقتل المراهق الفرنسي من أصول جزائرية “نائل” برصاص أحد أفراد الشرطة الفرنسية، فالتساؤل الأهم هنا هو: إلى أين تسير فرنسا إيمانويل ماكرون هذه المرة؟
تطور الأحداث بهذا الشكل، يدفعنا إلى التخوف من سيناريو الحرب الأهلية الذي يهدد فرنسا، وحتى الآن لم تنجح السلطات الفرنسية في كبح جماح هذه التظاهرات، فالسلطات الفرنسية أصبحت الآن بين نارين، فهي من جهة تريد وقف هذه التظاهرات خاصة بعد سرعة انتشارها الجغرافي خوفاً من “الحرب الأهلية”، وفي نفس الوقت ليس لديها القدرة على حفظ الأمن وحدها، فعدد المتظاهرين يتفوق على قوات الجيش والشرطة، لذلك تم إغلاق شبكة المواصلات العامة في العاصمة الفرنسية على إثر تحطيم الحواجز الحديدية وإضرام النيران وتحطيم واجهات المحلات.
وبموازاة ذلك ما تشهده فرنسا حالياً بسبب مقتل “نائل” يعيد إلى أذهان الكثيرين في فرنسا وخارجها أحداثاً مماثلة شهدتها البلاد في عام 2005، عندما تعرّض مراهقان (زياد بينا 17 عاماً، وبونا تراوري 15 عاماً) للصعق بالكهرباء في أثناء محاولتهما الهرب من الشرطة بعد نهاية مباراة كرة قدم، حيث لجأ المراهقان إلى محطة كهرباء فرعية في ضاحية كليشي سو بوا بباريس.
والملاحظ في الأزمة الحالية هو التغيير الواضح في تصريحات وأداء ماكرون نفسه، من التنديد بجريمة مقتل “نائل” واعتبارها جريمة لا تُغتفر، ولا يمكن تبريرها في الساعات الأولى بعد وقوعها، إلى اعتبار الاحتجاجات “استغلال سياسي” للأزمة، ثم التركيز على “التنديد بأعمال العنف” واتخاذ موقف حازم لمواجهتها.
ويشير هذا التحول إلى النهج الذي تسير عليه الحكومة الفرنسية والرئيس ماكرون في التعامل مع جريمة مقتل “نائل”، وهو ما يراه كثير من المحللين السياسيين قفزاً على السبب الحقيقي وراء تكرار تلك الجرائم، وهو العنصرية المتجذرة في تعامل الكثير من أفراد الشرطة الفرنسية مع المواطنين، وهو التعامل الذي يقوم بالأساس على اللون أو العرق.
إن الوضع في فرنسا مخيف وخطير وأن شبح الحرب الأهلية، لم يعد فقط يطل برأسه، بل تحول اليوم بفعل سياسة التفرقة العنصرية بين مكوّنات الشّعب الفرنسي وانتشار عمليات النهب والنشل إلى أمر واقع في فرنسا، التي باتت تغرق في العنف والفوضى، التي تمارسها الشرطة الفرنسية، فإن هذه الحالة من الفوضى لن تنتج سوى مزيداً من العنف والخراب، لذلك فرنسا الآن تعيش في قاع مخيف يزداد سوءاً باستمرار التي باتت تهدد الأمن الإقليمي والدولي في المنطقة.
بالمقابل هذه الاحتجاجات ستزيد الضغط السياسي على الرئيس ماكرون وفي الوقت نفسه تمثل ضربة لصورة فرنسا على الصعيد الاقليمي والدولي قبل عام واحد من استضافة الألعاب الأولمبية، ومن جهة أخرى، أثرت أعمال الشغب على السياحة في باريس وتضاف إلى ذلك الخسائر الهائلة والناجمة عن العنف، والتي يصعب تقديرها.
وعلى الطرف الأخر، حققت الاحتجاجات العديد من النقاط الإيجابية حيث هزت الأجندة البرلمانية بالكامل، وتمكنت من إجبار الرئيس ماكرون الى الدعوة إلى حوار وطني موسع للتعرف على مطالب المواطنين، بذلك لعبت هذه الاحتجاجات دوراً مهماً في إيقاظ وعي المواطنين عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية، وسمحت للمواطنين بمناقشة الحلول، كما ساعدت على خلق روح الترابط والتعاون بين الفرنسيين، وهنا يمكن النظر إلى هذه التظاهرات على إنها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، فالفرنسيين لم يعودوا يخافون من الشرطة، أو رد الفعل العسكري على الاحتجاجات.
وأختم بالقول… إن العنصرية في تعامل الشرطة الفرنسية مع المواطنين على أساس اللون والعرق هي السبب وراء ما تشهده فرنسا من احتجاجات غاضبة وأعمال شغب وحرق منشآت ومحلات تجارية، كما إن الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الفرنسية من شأنه أن يرفع من منسوب التوتر في البلاد ويصعّد من التحركات الاحتجاجية مما يؤدي إلى فقدان باريس توازنها وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، لكن يبدو أن ماكرون وحكومته قرروا التعامل مع الموقف أمنياً وعسكرياً عوضاً عن السعي إلى معالجة جذور المشكلة الأساسية التي تنبثق عن المشاكل العنصرية “المتجذرة” في صفوف قوات الأمن، وبالمقابل يدرك ماكرون وحكومته، بلا شك، المخاطر والأزمات المتأتية عن ذلك.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *