31 Jul
31Jul

نعيش‭ ‬في‭ ‬عالمين،‭ ‬عالم‭ ‬الواقع‭ ‬الإجتماعي‭ ‬الإنساني‭ ‬والواقع‭ ‬الإفتراضي‭ (‬الرقمي‭)

.    ‬وهناك‭ ‬عالم‭ ‬رقمي‭ ‬إفتراضي‭ ‬ثالث‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التشكل‭ ‬يسمى‭ (‬الميتافيرس‭) .  ‬وهذه‭ ‬الكلمة‭ ‬مشتقة‭ ‬من‭( ‬ميتا‭) ‬أي‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬و‭ (‬فيرس‭) ‬العالم‭ ( (‬أي‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬العالم‭)

 . ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬المصطلح‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬تحطم‭ ‬الثلج‭ ‬Snow‭ ‬Crash‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬لـ‭ (‬نيل‭ ‬ستيمنسون‭) ‬حيث‭ ‬شخصيات‭ ‬خيالية‭ (‬Avatar‭) ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬إفتراضية‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭

.  ‬وقد‭ ‬تبنى‭ ‬هذا‭ ‬الإسم‭ ‬مؤسس‭ ‬فيس‭ ‬بوك‭ ‬لتصبح‭ ‬الشركة‭ ‬بإسم‭ (‬ميتا‭ ‬بلاتفورمز‭) ‬مع‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الميتافيرس‭ ‬و‭ (‬10‭ ‬آلاف‭) ‬شخص‭ ‬يعملون‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع‭ ‬وبكلفة‭ (‬10‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬ويتفق‭ ‬الباحثون‭ ‬وعلماء‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬أن‭ ‬الميتافيرس‭ ‬هي‭ ‬ببساطة‭ ‬إنترنت‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهو‭ ‬إنترنت‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬المستخدم‭ ‬خارجاً‭ ‬عن‭ ‬عالمه‭ ‬أو‭ ‬متصلاً‭ ‬بالإنترنت‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وإنما‭ ‬متواصلاً‭ ‬ومنغمساً‭ ‬بعالم‭ ‬إفتراضي‭ ‬رقمي‭ ‬تتلاشى‭ ‬فيه‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬المادي‭ ‬والواقع‭ ‬الإفتراضي‭

.  ‬أي‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬ممتداً‭ ‬ومعززاً‭ ‬للحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬ولا‭ ‬تصبح‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬مستقلة‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬ونعمل‭.  ‬

أما‭ ‬بيئة‭ ‬الميتافيرس‭ ‬فهي‭ ‬نتاج‭ ‬تكامل‭ ‬الواقع‭ ‬الإفتراضي‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬الواقع‭ ‬العزز‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬إنترنت‭ ‬الأشياء‭ ‬والبيئة‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭. 

‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬منا‭ ‬إتصال‭ ‬تلقائي‭ ‬فوري‭ ‬مع‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتجربة‭ ‬غامرة‭ ‬ممزوجة‭ ‬بالمتعة،‭  ‬كما‭ ‬سيكون‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬قرين‭ ‬أو‭ ‬توأم‭ ‬رقمي‭ (‬Avatar‭) ‬سنبحر‭ ‬معه‭ ‬للدراسة‭ ‬والعمل‭ ‬والتسوق‭ ‬والتسلية‭ ‬وحضور‭ ‬الإجتماعات‭ ‬أو‭ ‬للسفر‭ ‬خارج‭ ‬قيود‭ ‬الزمن‭ ‬والمكان‭

.  ‬وينبثق‭ ‬اليوم‭ ‬إقتصاد‭ ‬جديد‭ ‬يسمى‭ ‬إقتصاد‭ ‬الميتافيرس‭ ‬بقيمة‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ (‬400‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭) ‬بحلول‭ ‬2030‭ .  ‬الميتافيرس‭ ‬اليوم‭ ‬يقدم‭ ‬نماذج‭ ‬جديدة‭ ‬للأعمال‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬التجارة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب،‭ ‬وصناعة‭ ‬الضيافة‭ ‬والسفر‭ ‬وصناعات‭ ‬المحتوى‭ ‬التسلية‭ ‬والألعاب‭.  ‬

وتستثمر‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬بهذا‭ ‬الإقتصاد‭ ‬كما‭ ‬إستثمرت‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬بمشاريع‭ ‬لتطوير‭ ‬نظام‭ ‬إقتصادي‭ ‬للميتافيرس‭ ‬حيث‭ ‬طورت‭ ‬دبي‭ ‬إستراتيجية‭ ‬للميتافيرس‭ ‬لكي‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬عشرة‭ ‬إقتصاديات‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬إنترنت‭ ‬المستقبل‭ (‬الميتافيرس .
ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬بعد؟‭ ‬يقول‭ ‬أرخميدس‭ “‬هبوني‭ ‬رافعة‭ ‬ونقطة‭ ‬إرتكاز‭ ‬وسأحرك‭ ‬العالم‭”

 .  ‬لنفترض‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬هي‭ ‬نقطة‭ ‬الإرتكاز‭ ‬والذكاء‭ ‬الإصطناعي‭ ‬هو‭ ‬الرافعة‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬سنسعى‭ ‬لتحريكه‭ ‬أو‭ ‬تغييره‭ ‬هل‭ ‬عالمنا،‭ ‬أم‭ ‬عالم‭ ‬أوهامنا‭ ‬؟‭ ‬عالم‭ ‬البشر،‭ ‬أم‭ ‬عالم‭ ‬الخوارزميات‭ ‬المجردة‭ ‬من‭ ‬إنسانية‭ ‬البشر؟‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الأوهام‭ ‬الذي‭ ‬صنعته‭ ‬الميتافيرس‭

 ‬والذكر‭ ‬بعض‭  ‬الأمثلة‭:‬
إن‭ ‬حجم‭ ‬السوق‭ ‬الخاص‭ ‬بالميتافيرس‭ (‬سوق‭ ‬إفتراضي‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭ ) ‬سيصل‭ ‬إلى‭ (‬1‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭) ‬وفق‭ ‬تقدير‭ ‬بنك‭ ‬جي‭ ‬بي‭ ‬مورغان‭.  

‬وحجم‭ ‬سوق‭ ‬التعاملات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العقارات‭ (‬شراء‭ ‬وبيع‭ ‬عقارات‭ ‬رقمية‭) ‬وصل‭ (‬51‭ ‬بليون‭ ) ‬دولار‭ ‬سنة‭ ‬2021‭ ‬،‭ ‬وأن‭ ‬شركة‭ ‬ماكدونالدز‭ ‬أنشأت‭ ‬أول‭ ‬مطعم‭ ‬إفتراضي‭ ‬داخل‭ ‬عالم‭ ‬الميتافيرس‭ ‬كما‭ ‬تسابقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الإفتراضية‭ ‬لتتولى‭ ‬بيعها‭ ‬لأقراننا‭ ‬الرقميين‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأقران‭ ‬يحتاجون‭ ‬ملابس‭ ‬فاخرة‭ ‬وساعات‭ ‬ثمينة‭ ‬ولشراء‭ ‬سيارات‭ ‬فارهة‭ ‬لهم‭ ‬للتنقل‭ ‬إفتراضياً‭ .  ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬العلامة‭ ‬التجارية‭ ‬غوتشي‭ ‬ببيع‭ ‬حقيبة‭ ‬إفتراضية‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الميتافيرس‭ ‬بلغت‭ ‬قيمتها‭ (‬4100‭ ‬دولار‭)  ‬وأنشأت‭ ‬ديزني‭ ‬بيئة‭ ‬رقمية‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭

.  ‬وتتنافس‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬للإستحواذ‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬حصية‭ ‬سوقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإفتراضي‭.  ‬ويوجد‭ ‬اليوم‭ ‬محامون‭ ‬إفتراضيون‭ ‬ومستشارون‭ ‬رقميون‭.  ‬

والأغرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬عارضة‭ ‬أزياء‭ ‬رقمية‭ ‬أسمها‭ ‬Shudu‭ ‬أصبحت‭ ‬مؤثرة‭ ‬إفتراضية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬وقد‭ ‬تعاقدت‭ ‬معها‭ ‬علامات‭ ‬تجارية‭ ‬مثل‭ ‬برادا‭ ‬،‭ ‬كالفن‭ ‬كلاين‭ ‬وسامسونج،‭ ‬ولها‭ (‬28‭ ‬مليون‭) ‬متابع‭ ‬على‭ ‬إنستغرام‭ ‬و‭( ‬35‭ ‬مليون‭) ‬على‭ ‬تيك‭ ‬توك‭.  ‬توجد‭ ‬مؤثرة‭ ‬رقمية‭ ‬أيضاً‭ ‬بإسم‭ ‬ليل‭ ‬ميكيلا‭ ‬للتسويق‭ ‬وللتفاعل‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬عالمية‭ ‬وخوض‭ ‬نقاشات‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬العدالة‭ ‬العرقية‭ ‬وحقوق‭ ‬الجماعات‭ ‬الضعيفة‭ ‬والقضايا‭ ‬البيئية‭.  ‬

وقد‭ ‬استأجرت‭ ‬شركة‭ ‬سامسونج‭ ‬هذه‭ ‬المؤثرة‭ ‬بصفقة‭ ‬حققت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬10‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬مقابلة‭ ‬معها‭ ‬وصفت‭ ‬نفسها‭ ‬بأنها‭ ‬روبوت‭ ‬ذكاء‭  ‬إصطناعي‭ ‬يتصرف‭ ‬كإنسان‭.‬
إذن،‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬سيمضي‭ ‬بنا‭ ‬عالم‭ ‬الميتافيرس‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬لدينا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬شراء‭ ‬الأوهام‭ ‬وأين‭ ‬ستكمن‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬عالمنا‭  ‬وعالم‭ ‬أوهامنا‭ ‬،‭ ‬وأين‭ ‬ستكون‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬المنافع‭ ‬والمزايا‭ ‬الجمة‭ ‬التي‭ ‬تجنيها‭ ‬الدول‭ ‬والأعمال‭ ‬والإقتصاديات‭ ‬والأفراد‭ ‬وبين‭ ‬صناعة‭ ‬أوهام‭ ‬وثروات‭ ‬غير‭ ‬مستحقة‭ ‬تتجاوز‭ ‬فيه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬غاياتها‭ ‬وتدفع‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬غير‭ ‬إنساني‭ ‬يتأرجح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التكنوتوليتاريا‭ (‬التكنولوجيا‭ ‬الشمولي‭) ‬والتكنويوتوببا‭ (‬التكنولوجيا‭ ‬الطوباوية‭)

.  ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬سيؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الإنغماس‭ ‬الرقمي‭ ‬وماذا‭ ‬سيبقى‭ ‬من‭ ‬وعينا‭ ‬غير‭ ‬التشتت‭ ‬المزمن‭.  ‬ألسنا‭ ‬شهوداً‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬علينا‭ ‬وتستأثر‭ ‬بحياتنا‭ ‬ومستقبلنا‭.  ‬إن‭ ‬إنترنت‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬يستحوذ‭ ‬على‭ ‬إنتباهنا‭ ‬ليُشتتهُ‭.‬


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة