- آرائكم
- إنترنت المستقبل (الميتافيرس) وتسويق الأوهام
نعيش في عالمين، عالم الواقع الإجتماعي الإنساني والواقع الإفتراضي (الرقمي)
. وهناك عالم رقمي إفتراضي ثالث في طور التشكل يسمى (الميتافيرس) . وهذه الكلمة مشتقة من( ميتا) أي ما وراء و (فيرس) العالم ( (أي ما وراء العالم)
. وقد استخدم المصطلح أول مرة في رواية الخيال العلمي تحطم الثلج Snow Crash عام 1992 لـ (نيل ستيمنسون) حيث شخصيات خيالية (Avatar) تتفاعل مع بعضها في بيئة إفتراضية ثلاثية الأبعاد
. وقد تبنى هذا الإسم مؤسس فيس بوك لتصبح الشركة بإسم (ميتا بلاتفورمز) مع تكنولوجيا الميتافيرس و (10 آلاف) شخص يعملون بهذا المشروع وبكلفة (10 مليار دولار)، ويتفق الباحثون وعلماء تكنولوجيا المعلومات أن الميتافيرس هي ببساطة إنترنت المستقبل، وهو إنترنت لا يكون فيه المستخدم خارجاً عن عالمه أو متصلاً بالإنترنت من الخارج، وإنما متواصلاً ومنغمساً بعالم إفتراضي رقمي تتلاشى فيه الحدود بين الواقع المادي والواقع الإفتراضي
. أي بمعنى أن يصبح عالم الإنترنت ممتداً ومعززاً للحياة التي نعيشها ولا تصبح شبكة الإنترنت مستقلة بنفسها عن الحياة التي نعيش ونعمل.
أما بيئة الميتافيرس فهي نتاج تكامل الواقع الإفتراضي وتكنولوجيا الواقع العزز وتكنولوجيا إنترنت الأشياء والبيئة ثلاثية الأبعاد.
وفي هذه البيئة يكون لكل فرد منا إتصال تلقائي فوري مع الإنترنت وتجربة غامرة ممزوجة بالمتعة، كما سيكون لكل فرد قرين أو توأم رقمي (Avatar) سنبحر معه للدراسة والعمل والتسوق والتسلية وحضور الإجتماعات أو للسفر خارج قيود الزمن والمكان
. وينبثق اليوم إقتصاد جديد يسمى إقتصاد الميتافيرس بقيمة ستصل إلى (400 بليون دولار) بحلول 2030 . الميتافيرس اليوم يقدم نماذج جديدة للأعمال الإلكترونية، التجارة الإلكترونية، التعليم والتدريب، وصناعة الضيافة والسفر وصناعات المحتوى التسلية والألعاب.
وتستثمر معظم الدول المتقدمة بهذا الإقتصاد كما إستثمرت السعودية والإمارات بمشاريع لتطوير نظام إقتصادي للميتافيرس حيث طورت دبي إستراتيجية للميتافيرس لكي تصبح هذه المدينة من أكبر عشرة إقتصاديات لتكنولوجيا إنترنت المستقبل (الميتافيرس .
ولكن ماذا بعد؟ يقول أرخميدس “هبوني رافعة ونقطة إرتكاز وسأحرك العالم”
. لنفترض أن التكنولوجيا الرقمية هي نقطة الإرتكاز والذكاء الإصطناعي هو الرافعة يبقى السؤال أي عالم سنسعى لتحريكه أو تغييره هل عالمنا، أم عالم أوهامنا ؟ عالم البشر، أم عالم الخوارزميات المجردة من إنسانية البشر؟ أم هو عالم الأوهام الذي صنعته الميتافيرس
والذكر بعض الأمثلة:
إن حجم السوق الخاص بالميتافيرس (سوق إفتراضي في الإنترنت ) سيصل إلى (1 تريليون دولار) وفق تقدير بنك جي بي مورغان.
وحجم سوق التعاملات في مجال العقارات (شراء وبيع عقارات رقمية) وصل (51 بليون ) دولار سنة 2021 ، وأن شركة ماكدونالدز أنشأت أول مطعم إفتراضي داخل عالم الميتافيرس كما تسابقت العديد من العلامات التجارية الكبرى على المنتجات الإفتراضية لتتولى بيعها لأقراننا الرقميين لأن هؤلاء الأقران يحتاجون ملابس فاخرة وساعات ثمينة ولشراء سيارات فارهة لهم للتنقل إفتراضياً . كما قامت العلامة التجارية غوتشي ببيع حقيبة إفتراضية من عالم الميتافيرس بلغت قيمتها (4100 دولار) وأنشأت ديزني بيئة رقمية خاصة بها لهذا العالم
. وتتنافس الشركات الكبرى في العالم للإستحواذ على أكبر حصية سوقية في العالم الإفتراضي. ويوجد اليوم محامون إفتراضيون ومستشارون رقميون.
والأغرب من ذلك أنَّ عارضة أزياء رقمية أسمها Shudu أصبحت مؤثرة إفتراضية على وسائل التواصل الإجتماعي وقد تعاقدت معها علامات تجارية مثل برادا ، كالفن كلاين وسامسونج، ولها (28 مليون) متابع على إنستغرام و( 35 مليون) على تيك توك. توجد مؤثرة رقمية أيضاً بإسم ليل ميكيلا للتسويق وللتفاعل مع شخصيات عالمية وخوض نقاشات في مواضيع العدالة العرقية وحقوق الجماعات الضعيفة والقضايا البيئية.
وقد استأجرت شركة سامسونج هذه المؤثرة بصفقة حققت أكثر من (10 ملايين دولار)، وفي مقابلة معها وصفت نفسها بأنها روبوت ذكاء إصطناعي يتصرف كإنسان.
إذن، إلى أين سيمضي بنا عالم الميتافيرس هل سيكون لدينا القدرة على مقاومة شراء الأوهام وأين ستكمن الحدود بين عالمنا وعالم أوهامنا ، وأين ستكون الحدود بين المنافع والمزايا الجمة التي تجنيها الدول والأعمال والإقتصاديات والأفراد وبين صناعة أوهام وثروات غير مستحقة تتجاوز فيه التكنولوجيا غاياتها وتدفع بنا إلى وجود غير إنساني يتأرجح ما بين التكنوتوليتاريا (التكنولوجيا الشمولي) والتكنويوتوببا (التكنولوجيا الطوباوية)
. إلى أين سيؤدي هذا الإنغماس الرقمي وماذا سيبقى من وعينا غير التشتت المزمن. ألسنا شهوداً على مصير تسعى فيه التكنولوجيا الرقمية أن تحكم قبضتها علينا وتستأثر بحياتنا ومستقبلنا. إن إنترنت الحاضر والمستقبل يستحوذ على إنتباهنا ليُشتتهُ.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"