في أرضٍ حيث السماء تُبشر بالخير فقط حين تُمطر، يعيش العراقيون بين الأمل واليأس، بين مطرٍ عابر ووعودٍ تتبخر. يكاد يكون من المستحيل أن تجد ملفاً حكومياً أُغلق بخاتمةٍ سعيدة، فالأوراق تتكدس والأخطاء تتكرر، وكأن الحكومات تتناوب على صناعة ذات الكوارث.
العراقي، هذا البطل التراجيدي المتواضع في مطالبه، لا يسعى إلا لتحسين الخدمات، وتوفير فرص عمل، ومكافحة فسادٍ أضحى وحشاً يلتهم كل شيء. لكن هذه الطلبات البسيطة، التي تكاد تكون حقوقاً بديهية، تحولت إلى أحلام مستحيلة،. وفي الوقت ذاته، تجد “الحكومات القادرة” تتغنى بإنجازاتها الوهمية، وتعد الشعب بالسراب.
ومع كل دورةٍ جديدة من الأزمات، وكل دورة من التظاهرات التي تلتهم الدماء والمال والوقت، يعيد العراقيون أنفسهم إلى مربع الفوضى الأبدية، لكن المأساة الحقيقية ليست في تلك الدماء المسفوكة، بل في جسر الثقة الذي انهار بين الشعب والنظام السياسي.
وإذا كان تنفيذ مشاريع الخدمات يحتاج إلى وقتٍ، فإن اقتلاع الفساد لا يحتاج إلا إلى قرار جريء، لكن من يجرؤ على مواجهة هذا التنين الذي ينفث لهيب الخراب.
العراق في حاجةٍ إلى جرعة أمل فورية، لكن يبدو أن هذه الجرعة ليست سوى وهم آخر يضاف إلى قائمة الأمنيات المستحيلة.
اليأس يتسلل إلى القلوب، والطبقية تتسع كالهوة بين السماء والأرض.
الفقر يزداد، والخزانة العامة تنكمش، ودولة معلقة بأوهام أسعار النفط، كمن ينتظر قطرة ماء في صحراء عطشى.
وبينما تزداد الشهادات الأكاديمية، وتكتظ الدوائر بالموظفين، إلا أن تأثيرهم في الحياة العامة بات كالغبار في الريح، لا يُرى ولا يُشعر به.
أما الطبقة السياسية والفئات البرجوازية، فقد حصنت نفسها خلف جدران المال والسلطة، مستعدة للهرب في أي لحظةٍ، تاركة العراقيين في مستنقع أزماتهم، بلا أملٍ ولا منقذ.
بات من الواضح أن النظام السياسي في العراق قد تخلى تمامًا عن صناعة الأمل، وكأن اليأس أصبح جزءًا من استراتيجيته.
وفي كل خطوة، تجد سياسات مدروسة بعناية لتكريس الإحباط في نفوس المواطنين، وكأنهم في سباق مع الزمن لتجفيف منابع التفاؤل.
أضحى المواطن العراقي يعيش في دوامةٍ من الوعود الكاذبة والتضليل المتعمد، حيث لا مجال للأمل في مشهدٍ يُسخر فيه من حاجاته الأساسية. لقد تحول اليأس من استثناء إلى قاعدة، في نظامٍ يتقن فنون التلاعب بمشاعر شعبه دون خجل أو تردد.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"