15 Nov
15Nov

يبدو أنّ إنسان القرن الواحد والعشرين وصل إلى مرحلة متقدمة من البشاعة جعلته يهلل للقتل ويحتفي بالعنف ويروج لكل ما هو غير إنساني، إنه يقف على حافة التوحش، فقد صار بديهياً القول إننا كبشر أكثر توحشاً من الحيوانات، وإننا نظلم الحيوانات إذا قارنا أفعال بعض البشر بأفعالها، فإذا كان الحيوان يستخدم الوحشية فإنه يستخدمها لإشباع حاجاته، بينما يلجأ الإنسان للعنف ويتلذذ به مبرراً إياه بوسائل شتى، فقد أصبحت الوحشية سمة من سمات الإنسان المعاصر، واستبدل الإنساني باللاإنساني، والخير بالشر، يقول الروائي جوزيه ساراماغو: «القسوة اختراع بشري، الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، نحن نفعل ذلك، نحن الكائنات القاسية الوحيدة على هذا الكوكب».تنتشر مظاهر القتل والدمار والعنف والتوحش في غير بلد حول العالم، ولمنطقتنا العربية حصة الأسد من كل تلك الأفعال، من احتلالات متعاقبة إلى حروب متتالية واقتتالات داخلية وقمع سلطوي واجتماعي وديني، ومع تكرار مشاهد القتل الفردي والجماعي، عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، تحول الأمر إلى اعتياد لدى الكثيرين، فلم تعد تتحرك مشاعر البعض أمام فظاعة ما يجري، لقد فقدنا الكثير من إنسانيتنا وتعاطفنا مع الآخرين، ورضينا بالظلم والقسوة وتعايشنا مع صور التعذيب والتنكيل التي تنتشر في بلادنا وبلاد كثيرة غيرها.في كل المجازر التي جرت وتجري في فلسطين من قبل الجيش الإسرائيلي المحتل، بقيَّ العالم متفرجاً حيناً، مندداً أحياناً وصامتاً في أغلب الأوقات، فلم تتمكن كل القوانين الدولية أن توقف القتل والتهجير الممارس بحق الفلسطينيين، ولا تمكنت من إجبار إسرائيل على التوقف عن عدوانها المتواصل، بينما بقيت الشعوب حول العالم ومن بينما الشعوب العربية إلا ما ندر تتابع أخبار القتل بهدوء تام بلا أية ردود أفعال، فلا أصوات علت ولا حناجر صدحت منادية بوقف العدوان، بينما في كل مرة يجتمع بعض القادة والزعماء للوقوف دقائق صمت على أرواح الضحايا، ومطالبة المجتمع الدولي بالتحرك، دون أن ينجم عن ذلك أية نتائج ملموسة.إنّ الاحتفاء باللاإنسانية من قبل بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، يضع الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب عن أسباب ذلك، ويقف الإنسان حائراً أمام كل ما يجري في غياب لكل ما هو إنساني وأخلاقي في التعامل بين الدول أو فيما بين الأفراد أنفسهم، وكأن تلك الحكاية عن أننا أحفاد قابيل القاتل وجدت تفسيراً لها في التاريخ البشري ما زال مستمراً إلى يومنا هذا، ويبدو أنّ العنف الذي رافق بداية التاريخ البشري قد تطور وتبدل مع مرور الزمن، فتطورت الأسلحة المستخدمة وتفنن البعض في أساليب التعذيب والتنكيل، فلم يسلم منها لا البشر ولا الحجر ولا الشجر.يبدو الحديث عن الإنسانية في هذا الزمن ضرباً من الجنون، أمام هول ما يجري من أحداث في العالم، لذا يغدو الاحتفاء بكل ما هو لا إنساني وقبوله وتقبله وممارسته أمراً في غاية البساطة والسهولة والرواج، فلم تعد أعداد الضحايا إلا خبراً عاجلاً على شاشات التلفزيون وأجهزة الموبايل، وتحول قصف المشافي وقتل الأطفال مدعاة للأسف فقط، إننا نقف اليوم جميعاً على حافة الوحشية ولم يعد أمامنا إلا فرصة تنقذنا وتنقذ ما تبقى من عمر البشرية لتحافظ على السمة التي وسمت الكائن البشري ألا وهي «إنسان»، فهل سننقذه؟


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة