10 Jun
10Jun

عبر السنين استطاعت المملكة أن تبني ثقافة محددة ارتبطت بقدرتها على خدمة الحجاج والمعتمرين، وهذا الأمر ليس مسلمة بدهية لمجرد كون الحرمين في أرض سعودية، ولكن تمحيص الأمر يدفع إلى اكتشاف أن خدمة الحرمين الشريفين كما تقدمها السعودية لزوار هذه المقدسات هي قيمة أساسية في التكوين الوجودي للمملكة في الجوانب السياسية أو الاجتماعية أو العقدية، وعبر السنين ترسخت ثقافة خدمة الحرمين الشريفين عبر تلك الخدمات المميزة التي تقدمها السعودية للحجاج والمعتمرين.
العلاقة بين السعودية وخدمة الحرمين الشريفين بما يرتبط بهما من مناسبات سواء العمرة أو الحج أصبحت علاقة دينامية مألوفة في العالم الإسلامي حتى أصبحت ثقافة خدمة الحرمين الشريفين كما تصنعها السعودية قضية يستحيل منافستها، فكل القادمين لزيارة الحرمين الشريفين سواء للعمرة أو الحج يدركون أن ثقافة خدمتهم هي مسألة تتعلق بتوجهات الدولة السعودية التي تقدم خدماتها لهم دون توقف.
عبر السنوات ومنذ أن منح الله هذا الوطن شرف خدمة الحرمين الشريفين استطاعت السعودية أن تبرز دورها في خدمة الحرمين الشريفين والمناسبات الدينية المرتبطة بهما إلى قيمة تحولت وانتشرت في المجتمع السعودي وأصبحت غايات الشرف لدى المواطن أن يساهم في خدمة زائري الحرمين، وتوجت هذه الثقافة بارتباطها بأعلى سلطة في السعودية، فملك المملكة العربية السعودية يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، وهذا تعزيز مؤكد للإجابة على سؤال القيمة التي تضعها المملكة لخدمات الحرمين الشريفين.
النموذج التاريخي الذي قدمته المملكة العربية السعودية خلال أكثر من قرن من الزمان في خدمة الحرمين الشريفين هو نموذج مختلف تميز بالاستثناء في كل مراحله وأدواته، وهذا النموذج التاريخي المرتبط بالخدمة المادية واللوجستية يرسخ أن تاريخ خدمة الحرمين الشريفين لا يمكن استعراضه دون شرح مباشر للتميز الذي صنعته الرعاية السعودية للحرمين الشريفين بشكل لا يوجد له ما يضاهيه عبر التاريخ.
لقد استطاعت السعودية أن تتجاوز تقريباً كل الأرقام القياسية في تحقيق معايير خدمة الحجاج والمعتمرين، وهذا ما ساهم في خلق نظرة إسلامية ودولية للقمة التاريخية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين بمكونات سبقت الآخرين وتفوقت، حيث تربع النموذج السعودي على قمة الهرم في مسيرة التاريخ الإسلامي كله في مجال خدمة الحرمين، وهذا ما يجيب على سؤال النموذج التاريخي الفريد الذي قدمته الدولة السعودية في خدمة المقدسات الإسلامية.
الثقافة السعودية الخاصة بخدمة الحرمين الشريفين تشكلت وفي حالة نادرة من خلال توافق وتكامل يصعب قياسه بين الدولة والمواطن السعودي في مجال خدمة الحجاج والمعتمرين لدرجة أن الإيمان بهذه المهمة يكاد يكون متوازياً بين الدولة والمواطن في مجال التنافس في خدمة الحرمين الشريفين، فكل مواطن سعودي يرى في خدمة الحرمين قيمة دينية وأخلاقية ووطنية يساهم فيها إذا ما أتيحت له الفرصة، ونماذج المشاهد التي تفرزها مواسم الحج والعمرة عن درجة التفاني بين السعوديين لخدمة الحجاج والمعتمرين تعبر عن ذلك الاتساق غير المسبوق في التاريخ بين المسار السياسي والمسار الاجتماعي، وهذا المسار يجيب على السؤال الثالث لمن يريد تقصي العلاقة بين الدولة السعودية ومواطنيها والكيفية التي تتحد فيها لغة السياسة مع لغة المجتمع من أجل تقديم أقصى ما يمكن تقديمه من خدمات من أجل الحجاج والمعتمرين.
الأهداف التي وضعتها القيادة السعودية لأكثر من قرن من الزمان في الماضي والحاضر حول خدمة الحرمين لا ترتبط بأي شكل من الأشكال برغبة في تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية؛ فالسر السعودي خلف هذه النجاحات مرتبط بالقيمة الأخلاقية والمسؤولية التاريخية التي تبنتها المملكة في خدمة المقدسات الإسلامية التي تشكل وجهة أزلية لكل مسلم على هذه الأرض، وهنا نجيب على السؤال الرابع حول القيمة الحقيقية التي تتبناها القيادة السعودية عبر تاريخها بأن تكون خدمتها للحرمين الشريفين لا تنطوي على أي مكاسب يمكن توظيفها بشكل سياسي أو اقتصادي بل الهدف قيمة أخلاقية ومسؤولية تاريخية اختصت بها السعودية وحدها تجاه الحرمين الشريفين.
خلال أكثر من قرن استطاعت المملكة أن تقدم نفسها كراعية للحرمين الشريفين وفق إطار راسخ ومستحق عبر التاريخ، فالثقافة السعودية نحو خدمة الحرمين الشريفين تقوم على تعزيز المكانة الدينية للحرمين الشريفين لدى جميع مسلمي العالم دون أن تختلط بتنافس مذهبي أو مسار طائفي أو تفاوت عقدي، فالتميز السعودي ارتقى بالحرمين الشريفين للتأكيد أن المقدسات الإسلامية مهمة سعودية أصيلة تقوم على خدمة المسلمين في العالم دون فرض لمسار أو اتجاه، فالرسالة السعودية تقوم على فكرة أن خدمتها للحرمين الشريفين مسؤولية سعودية ثابتة في صفحات التاريخ.


*نقلاً عن "الرياض"


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة