كنت مثل بقية العراقيين، أترقب مراجعة مجلس الأمن، للعقوبات المفروضة على العراق، عسى أن يرفع الحصار في آخر جلسة، لكن الجلسات النصف سنوية التي تعقد في كل مرة، تسوق سلسلة من الحجج، لتمدد الحصار الجائر، حتى بات الأمل يخفت شيئاً فشيئاً ويكاد أن يتلاشى، وسط ملايين تلوك الصخر خبزا، وهيمنة “وحش الطاوة”.
في عام 1996 ، كان لنا موعد مع مذكرة التفاهم، المعروفة بالنفط مقابل الغذاء والدواء، إهتز السوق، وهبط الدولار، بل قل حصل بعض التعافي للدينار، كنت يومها في جميلة، اسجل المتغيرات التي حصلت في يوم وليلة، حتى قبل أن ترى المذكرة النور، رأيت الفرحة في وجوه الناس وهم يتبضعون والعجب يملأهم، والمقارنات لاتنفك عنهم : المعجون البارحة ” بهلكد”، واليوم ” بهلكد”، فيما أثر تحسن الدينار سلباً على التجار، فلم يتحمل بعضهم المستجد الحاصل، فقرر الإنتحار، في حين فر آخرون عن المشهد، وأخذ الآباء يتبرون من أبنائهم، للتخلص من عواقب الديون المترتبة بذمة المتخفين، وراجت إعلانات “التبري” في الصحف.
مجرد نسبة محدودة من صادرات النفط، لانملك زمامها، ولانقبض اموالها الصعبة، أثرت في الدينارإيجاباً، فماذا لو رفع الحصار تماماً؟.. هذا هو التساؤل الذي كان يراودنا، ويدغدغ مشاعرنا.
ومرت 13 سنة، والحصار قابع على صدورنا، يستنزف سني حياتنا بين تقشف دائم ومعيشة كفاف، مكتفين بالحصة التموينية، ومثلها الدوائية.
وحصل المتغير الكبير في 2003 ، وتطلع العراقيون الى الدينار بطبعته الجديدة، وغالى بعضهم بالصورة التي رسمها في مخيلته، وأخذ يتساءل عن العملة النقدية، والخردة من فئة “5” فلوس، و “10 ” فلوس، والدرهم، صعوداً، وتعالت الطاقة الإيجابية لدى الكثيرين، لما رفع الحصار عن العراق، وتسربت الظنون في أول وهلة أن الدينار سيكسر “خشم” الدولار، ولاسيما بعد موجة الموازنات الإنفجارية التي تحققت نتيجة إرتفاع اسعار النفط التي تجاوز فيها البرميل كل الأرقام السابقة، مثلما تجاوز كل التوقعات، حتى ربطها بعضهم ببخت فلان أو علان.
لكن مليارات العملة الصعبة لم تمد الدينار بالأوكسجين لينهض، كما نهض الدينار الكويتي بعد مدة وجيزة من إنقشاع حرب 91 19 ، أوالمارك الألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
نعم إنتهت الحرب، وانتهى الحصار، ولم يزل الدينار في غرفة إنعاش مزاد البنك المركزي العراقي، في حين تطرق مسامعنا بين الفينة والفينة مشروع حذف الأصفار، ليكون الحل البديل لإنتعاش الدينار الذي كنا نترقبه بالرفع، فأصبح بالحذف المنتظر، في وقت يتبارى الإقتصاديون ومحللو الصدفة في إيجاد مخرج للدينار، لكن مع كل أزمة تهز السوق، يظهر سوق العملة كمنجزوحيد وفريد للحفاظ على رمق الدينار، قبل الإنهيار.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *