لو أردنا التحدث عن الأخلاق والسياسة، لا بدَّ من محاولة ضبط ايقاعاتهما في التعامل العام، اي ضبط التوازن في التعامل، فالسياسة تعني طريقة قيادة الجماعة البشرية وتدبير شؤونها بما يحفظ منفعتها، بينما الأخلاق تعني مجموعة القيم الموجهة للسلوك البشري للتفرقة بين الخير والشر، واتباع طريق الخير، وبلا شك سواء السياسة والاخلاق يؤديان إلى تمليك الإنسان رؤية تجعل من الحياة لها هدفا ومعنى.
ولا أريد التحدث عن الميكافيللية، التي غلّبت السياسة على الأخلاق، وحاولت إنكار الفضائل الأخلاقية من أجل الوصول إلى الغايات، ولو إني لا أبتعد كثيرا عنها، يقول الشاعر الإنجليزي»بيرسي شيلي»: (إنّ أكبر جرم ارتكِب في تاريخ البشرية، هو فصل السياسة عن الأخلاق)، والحقيقة أن العلاقات الدولية، لا سيما علاقة أمريكا بالعالم كونها القوة العظمى، فنجدها قد قامت هذه العلاقة على البرغماتية السياسية، وتتلخص بنجاح الفكرة وليس بالفكرة ذات القيمة الاخلاقية.
وهذا الأمر جعل الظلم والقهر والاستبداد، هو الطريقة السريعة لتحقيق السلطة، فالعالم في نظرية أمريكا سوق والانسان اداة انتاج، أو استهلاك، وطبعا حذت حذوها العديد من الدول، ومنها دول اسلامية، وسارت بِركب أمريكا، حيث أصبحت قوة تثري خزائن النظام الأمريكي.
ما جعل أمريكا ومحورها يتجهون بكل ثقلهم لحماية كيان غاصب، كالكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم، لاستغلال الموقع الجغرافي لفلسطين في تقوية الهيمنة الأميركية، وغيرها من الظواهر العجيبة الغريبة، التي تجعل من أمريكا بكل تصرفاتها في العالم على انها دولة تؤسس لحماية الحقوق والحفاظ على الحياة الحرة للشعوب ظاهريا.
ولكن الباطن هو امتصاص خيرات تلك الشعوب، فـ(في كتابه مناهج الفلسفة، كتب المؤرخ والمفكر الأمريكي «ويليام جيمس قائلاً: «إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية تتم إضافتها سنويًّا إلى القانون في أمريكا»، وعقّب قائلا:»وهذه دولة تحتاج إلى أخلاق، لا إلى قانون».)، وعند كشف غزوها للعراق بحجة التحرير وقيام النظام الديمقراطي، تكون النتيجة، هي دخول العقد الثالث من سقوط النظام، والعراق يئن تحت التخلف والفقر والبطالة، ولم يجنِ المواطن العراقي البسيط من حقوقه الأساسية الا الشيء القليل، وكذلك في الدول التي طالها التغيير حذوا بتجربة العراق.
والآن تفضح أمريكا نفسها بإعلانها برغماتيها في عملية (طوفان الأقصى)، فالأولى بأمريكا كقوة تساند كل شعوب العالم وحامية لحقوق الإنسان أن تدعو إلى التهدئة واللجوء إلى طاولة الحوار، بدلا من إراقة دماء الأبرياء، بل وارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، وهكذا يتوضح سلوك النظام العالمي البرغماتي، ويتوضح منهج القوة والعنف، حيث يقيم العالم توازناته السياسية بإفقاده توازناته الإنسانية.
وهذا يوري بزومنوف، وهو عميل لأمن الدولة السوفيتي يضع في إحدى محاضراته خطة لتخريب أي دولة بوسائل فكرية وبنيوية، (فالفكرية أوضح أنها تتجلّى في تسييس الدين، التشويه للقدوات المؤثرة، الاشتغال بالقضايا التي لاقيمة لها، القدوات والبطولات التافهة، وأمّا البنيوية فإنها ترسم التخريب بوضع قوانين تشريعية غير أخلاقية، تجعل من القيم الأخلاقية مجرّد أعراف، لا ينبغي الاعتراف بها، وأفكار قديمة لا تحمل أي قيمة.)، وبهكذا اسلوب تربعت أمريكا على حكم العالم واقتصاده، بعيدا عن القيم الأخلاقية، وبالتالي احتكرت تجارة السلاح كله تقريبا، وبالطريقة البرغماتية نفسها، صنعت النزاعات بين الشعوب، لايجاد أسواق جديدة لأسلحتها، والسيطرة على ثروات الشعوب المتناحرة في ما بينها، وحيث دخول الشركات الأميركية، وبالضبط مثلما حدث لها في الدول العربيَّة وامتصاص خيراتها ومواردها الطبيعية، وجعلها سوقا لتسويق سلاحها.