يمر العراق منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بأزمات سياسية متنوعة أساسها ثقافي ومصالحي، وهذا يستدعي إجراء دراسات وأبحاث عن ذلك، وإمكانية وضع الحلول لها على وفق نظرة علمية ومعرفية تتفوق على النظرة الأحادية والشخصية أو الذاتية.
ولعل ابرز ما يواجهه البرلمان في دوراته العديدة، هو إشكالية إدارة التنوع الثقافي في العراق، وما ينتج عنها من صراع سياسي واثني، قائم على أساس التنازع على مسائل الحكم والأرض والثروة لم يستطع البرلمان العراقي أن يضع حلولا نهائية، إذ بقيت بعض مواد الدستور المختلف حولها من دون تعديل، ففي الوقت الذي يعد التنوع الثقافي في كثير من البلدان عاملا مهما في الإبداع والانجاز، ومتغيرا أساسيا في نجاح التنمية البشرية فيها، بقيت إشكالية إدارة البرلمان لهذا التنوع في طور الجمود، ما يتطلب من القوى السياسية الفاعلة إعادة قراءة الواقع على أساس مصلحة البلد في زمن تزداد فيه حدة الصراعات في محيطي العراق الإقليمي والدولي، فضلا عن إشكاليات الوضع الداخلي سواء عن طبيعة العلاقات السياسية بين القوى المتنفذة نفسها أو ما يتعرض إليه البلد من خطر الإرهاب، والمسألة العالقة من دون حل في هذا الاطار أنه في الوقت الذي يؤكد الدستور على المواطنة والعيش المشترك وإقامة الدولة المدنية القائمة على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تؤثر متغيرات ومفاهيم ومعايير كثيرة في إعاقة نجاح إدارة البرلمان للتنوع الثقافي، فضلا عن مؤثرات أخرى تكمن تحت غطاء العولمة وامتداداتها السياسية والثقافية، وأبرزها ماهية حقوق الأقليات، وحدود النزاع على مسائل تعد جزئية في إطار مصلحة البلد واستقراره؛ لذا ينبغي على القوى السياسية إعادة تقييمها للأمور على وفق منطق الدولة، والتخلص من المؤثرات الثقافية التي تحكم المشهد السياسي العراق، والتي تجعل البرلمان مجبرا للانسياق لمؤثرات هذا الانقسام، ما يؤثر في بنية المجتمع بكامله، ويعرقل تنميته وانتقاله الى الحالة الطبيعية التي يبتغي أن يكون عليها من المساواة وتطبيق القانون على الجميع مع الاعتراف بالثقافات الفرعية بعدها ملكا طبيعيا لأصحابها، أما بناء الدولة فهي مسؤولية الجميع، وعندما نصل الى صياغة مفهوم يدل على ذلك فإن البرلمان سيمتلك الحرية في الحركة ومعالجة الأمور في إطار إجماع وطني، وبعكس ذلك ستبقى التجاذبات مستمرة من دون أن يحصل المواطن على شيء، ومن دون أن يتمكن البرلمان من إدارة التنوع الثقافي على أساس أنه مصدر إبداع وتفوق وإنجاز.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *