للبطالة معاني ومعايير عديدة ، ولكن المعنى الشائع لها إن الفرد يعد عاطلا عندما تكون لديه الرغبة والقدرة للعمل ولكنه لم يستطيع الحصول على فرصة عمل لقاء اجر يناسب ما يمتلكه من معارف وخبرات ومهارات ، والبطالة كما هو معروف من الظواهر السائدة عالميا وهي ليست حديثة وتحظى باهتمام الدول والنقابات والجمعيات والمؤسسات بهدف معالجتها او الحد منها لما للبطالة من مردودات سلبية على الفرد والمجتمع والأوطان ، وفي بلدنا كنا ولا نزال نتكلم عن البطالة ولكنا لا نمتلك توصيفا كاملا ودقيقا لها من حيث المعنى والمحتوى والبيانات من حيث العدد وتصنيف العاطلين من حيث العمر والجنس والقدرات والمؤهلات ، ورغم إن وزارتي والتخطيط والعمل لهما إحصاءات عن العاطلين إلا إن اغلبها تقديرية وغير شاملة ولم يتم تحديثها أول بأول ، ومن أسهم بنقص البيانات والمعلومات الخاصة بالبطالة هو غياب او تغييب الإحصاء العام للسكان منذ 1997 ولحد اليوم ، ورغم إن البعض يعتقد إن واحدة من المشكلات التي يواجهها بلدنا تتعلق بالتصدي لظاهرة البطالة لما لها من مردودات سلبية ، إلا إن المعالجات التي طبقت خلال السنوات السابقة تركز على تعيين العاطلين في الوظائف الحكومية على وفق اعتبارات وقياسات غير واضحة المعالم خاصة وان مجلس الخدمة الاتحادي حديث النشأة ومحدود التأثير ، واغلب المعالجات أثبتت فشلها لان هناك من يعتقد إن أهم المعالجات هي بالتعيين ، والجهاز الإداري العراقي ضعفت قدراته الاستيعابية للعاملين لما يعانيه من الترهل والبطالة المقنعة لدرجة إن البعض ( يدعي ) بان الموظف الحكومي لا يعمل لأكثر من 10 دقائق في اليوم .والمعالجات من خلال التعيين بالوظائف الحكومية عانت الكثير من ضعف العدالة لكون اغلبها بنيت على أسس معظمها لخدمة مصالح الأحزاب او سادها الفساد المالي او بنيت على المحسوبية والمنسوبية وغيرها من الاعتبارات ولا عجب حين نقول إن هناك وظائف خضعت للبيع والشراء ، وممن أدمنوا على الوظائف الحكومية في المعالجات يحملون الحكومة مسؤولية تفاقم حجم البطالة في العراق لان التعيينات توقفت ولم تدخل ضمن مواد الموازنات الاتحادية للسنوات 2014 – 2022 ، وهذه المعالجات خاطئة لان الأساس في تشغيل الموارد البشرية المهيأة للعمل يجب أن يستند لحاجات قطاعات الأعمال المختلفة التي يتكون منها الناتج المحلي والقطاع الحكومي جزءا منها وليس الكل ، والقطاع الخاص يمكن أن يكون ملاذا لعمل الكثير من القدرات لو تم تمكينه للعمل كما يجب ، ومن العيوب الدارجة لدى بعض فئات الأفراد والمجتمع إنهم يعتبرون كل من لا يعمل بوظيفة حكومية عاطل عن العمل ، وهو اعتقاد خاطئ بالطبع لان الأعمال في القطاع الخاص أكثر حرية وحيوية من الأعمال الحكومية ، كما إنها يمكن أن تكون أكثر قدرة في إنتاج الدخل لان الراتب في الوظيفة الحكومي يكون محدودة وقليل التغير والنمو ، وهذا المفهوم لم يتم تصحيحه رغم الجهود التي بذلت لتشريع قانون الضمان الاجتماعي الذي يفترض منح الحقوق التقاعدية والتمويلية للعاملين في القطاع الخاص بما يوازي او يزيد لما يمنحه القطاع العام ، وسيادة هذه المفاهيم يعرقل التمييز الحقيقي بين العاطل والعامل وهي واحدة من ابرز معالم التشويش على توصيف وتجسيد مشكلة البطالة في العراق .والسؤال الذي يجب إن نجد له إجابات واضحة ويعبر عنها بالمدلولات والأرقام ، هل إن بلدنا يعاني من مشكلة بطالة بالفعل ؟ ، وبشكل أدق هل إن عرض القوى العاملة المحلية هو أكثر من فرص العمل ( الطلب ) الموجودة بالفعل بمختلف قطاعات الأعمال في البلاد ؟ ، ورغم إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج لإحصاءات وأرقام وجداول غير متوفرة منذ عقود ، إلا إننا يمكن الإجابة إن البطالة في العراق أما أن تكون بأقل مما يتناوله البعض او إنها غير موجودة أصلا وان معالجتها ممكنة ولكنها تحتاج لقرارات وشجاعة ونكران للذات ، ولإثبات ذلك سنذكر ثلاث حالات يمكن من خلالها توفير ملايين فرص العمل للعاطلين بمختلف الفئات :الحالة الأولى : وتتعلق بمجموع العاملين العرب والأجانب العاملين حاليا في العراق ، بعضهم دخلوا للبلد بالطرق الشرعية والبعض بالتهريب او بتغطية من بعض الجهات ، وعدد هؤلاء يصل لأكثر من مليون ونصف ، وقد اعترفت منظمة العمل الدولية عن وجود مليون أجنبي يعمل في العراق ، ومن المؤكد إن المنظمة تتحدث عن العدد الرسمي وما خفي هو أعظم ووزارة العمل تعلم بالموضوع وقد وضعت بندا في المنهاج الحكومي لتنظيم هذه الفوضى فيما بعد ، وتعود مسؤولية وجود العمالة الأجنبية بهذا العدد إلى عزوف العراقيين عن ولوج أعمال فيها التزامات او إنها تدر دخلا محدود او إنهم ( يستنكفون ) بممارستها كالخدمة والتنظيف ، ووجود هذه العمالة يعني إن العراقيين العاطلين تنازلوا عن ملايين فرص العمل التي من الممكن أن تكون لهم ومنحها للآخرين ( العرب والأجانب ) .
الحالة الثانية : بغياب ما يفصل بين العمل في القطاع الحكومي والخاص ، رغم إن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 نظم ضوابط عمل الموظف بالقطاع الخاص إلا انه لا يتم الالتزام به ، لذلك نجد عدد كبير جدا من الموظفين ( المدنيين والعسكريين ) يعملون بالقطاع الخاص ، وهم بحقيقتهم يسلبون الفرص من العاطلين في العمل ، وتشمل أعمالهم جوانب مختلفة ويشغلونها بعد الدوام الرسمي وربما خلال ساعات الدوام من ضعف الرقابة على الوظائف ، والفساد يسهل عمل الموظفين في القطاع الخاص أثناء وبعد أوقات الدوام الرسمي سواء كانوا من الفضائيين او أشباههم ، ولا عجب أن تجد موظفين بعدة اختصاصات ومستويا يعملون في التجارة والصناعة والتسوق وفي مختلف الأعمال بما فيها سيارات الأجرة تحت غطاء ( الراتب لا يكفي ) ، ويمكن أن يكون عدد هؤلاء يشكل نسبة مهمة من مجموع العاطلين .الحالة الثالثة : وتشمل الوظائف العامة التي تسرق فرص العمل من العاطلين بشكلين ، احدهما إشغال أكثر من وظيفة من قبل الفرد وثانيهما استلام أكثر من راتب ، ويتم ذلك بأغطية تشريعية تتيح الجمع بين اثنين او أكثر تم سنها لخدمة بعض الشرائح والأفراد ، وحسب تصريح النائب كمال كوجر عضو اللجنة المالية بمجلس النواب فان هناك أكثر من 250 ألف شخص يستلمون أكثر من راتب تكلف الموازنة 18 مليار دولار سنويا ، وحسب إحصاءات متداولة ( إعلاميا ) فان هناك 152 شخص يستلمون 6 رواتب و463 يستلمون 5 رواتب و972 يستلمون 4 رواتب و64018 يستلمون 3 رواتب وأكثر من 250 ألف شخص يستلمون 2 راتبين .ولو ونقول لو :استغنى العراق عن العمالة الأجنبية التي عددها بحدود مليون ونصف لمصلحة العاطلين العراقيين ، ولو وضعنا حد لازدواجية العمل في القطاعين العام والخاص لمصلحة العاطلين عن العمل بما يتيح فرص العمل لما يزيد عن المليونين ، ولو أصدرت الدولة قانونا يحظر التمتع بأكثر من راتب وعدم جواز ممارسة عمل فيه مردود يزيد عن الراتب في الوظيفة الواحدة لمصلحة العاطلين عن العمل بعدد يزيد عن 250 ألف ، ولو وضعنا قيدا على المعينين ضمن موازنة 2023 والبالغ عددهم 900 ألف بعد جواز الجمع بعمل ثاني لترك الفرصة للعاطلين ، لوجدنا إن من الممكن توفير 3 ملايين فرصة للعاطلين على الأقل ، مما يشير إن البطالة في العراق ليست حقيقة وإنما خيالا صنع من نتاج الفساد والطمع واستغلال السلطة ، فهل تلتفت الحكومة وأجهزتها المعنية لذلك ؟!، إن كانت راغبة بالفعل في معالجة البطالة وما يلحق بها من تداعيات وانعكاسات ، حلول البطالة إذن موجودة و متاحة ولا تحتاج سوى إرادة وشجاعة ونكران للذات .
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *