عندما بدأت حملة مكافحة المحتوى الهابط عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل حوالي العام، تفاءلنا بان تحاصر أصحاب المحتوى الهابط والتافه. لكن هذه «الهبّة» سرعان ما بردت وعاد هؤلاء إلى تفاهتهم. مبكراً انتابتني شكوك بجدية هذه الحملة، عندما رأيت بعض من تصدروها يشاركون في ندوات تقيمها أوساط هابطة للحديث عن مخاطر المحتوى الهابط على المجتمع. بعد حوالي العام افتضح هذا البعض من المتصدين بعد اعلان ضلوعهم في شبكات التفاهة والابتزاز، مع أحاديث عن علاقات مشبوهة مع بعض من يسمون بـ»الفاشنستات» و»التيك توكرات» من صاحبات التفاهة والمحتوى الهابط. خلافاتهن البينية بدأت تكشف هؤلاء المتورطين، لتتضح أمامنا حقيقة مرّة وهي أن الحارس هو نفسه الحرامي، وبذلك أصبحوا مصداقاً لقول الشاعر العراقي اللاذع أحمد مطر الذي يقول: رأيت جرذاً يخطب اليوم عن النظافة، وينذر الاوساخ بالعقاب، وحوله يصفق الذباب». أصحاب المحتوى الهابط عموما، و»صاحبات» هذا المحتوى خصوصا، يعلو صوتهن كل يوم، ويزداد تطاولهن على القانون والنظام، واستقواؤهن العلني بسياسيين ومراتب في الجيش والداخلية دون وجود رادع جدي لهن ولمن يدعمهن من أصحاب النفوذ. بات مألوفاً في مطارات العراق مشهد حمايات ينتظرون عند باب الطائرة أو بعده بقليل لاستقبال واحدة من هؤلاء المنفوخات من كل صوب عائدات من سفرة ترفيه أو نفخ على نفقة النافذ، وكثير منهن يحملن جواز سفر دبلوماسياً دون أن يكون لهن أي علاقة بالدبلوماسية سوى علاقتهن الخاصة بالمسؤول الرفيع المدني أو العسكري. هذا الامر بات ظاهرة، ودلالاتها تتعدد، فهي تشير من جهة إلى حجم الفساد المالي - الأخلاقي لكثير من أصحاب النفوذ والمواقع. الفساد المالي الذي يتضح جزء منه سيارات ضخمة وشقق وقصور لتافهات لا تتمكن الواحدة منهن من نطق جملة مفيدة واحدة، ولا مؤهلات علمية ولا دراسية ولا يقدمن سوى التفاهة والضحالة والفحش. ومن جهة أخرى فان تفشي هذه الظاهرة وعدم مكافحتها بحزم، وانغماس مستويات رفيعة فيها يخلق حالة احباط لدى الجمهور وإساءة لصورة المواقع الرسمية التي نحتاج إلى رفع مستوى الثقة بها لتتمكن من أداء دورها. هذه الظاهرة تسهم في تعزيز مشروع تشويه صورة مؤسسة الحكم وهو مشروع تنفذه جهات مشبوهة منذ عشرين عاماً يساعدها في ذلك بعض الرسميين بفسادهم وتقصيرهم في أداء عملهم. ظاهرة المحتويات الهابطة بدأت تترك تأثيرها على المجتمع والعلاقات الاسرية، من خلال تسطيح الوعي ومستوى الاهتمامات، خصوصا على شريحة النساء. اهتمام أغلب النساء بالقضايا العامة، التي تهم المجتمع تراجع إلى حد كبير رغم الفرص المتوفرة للمرأة لرفع مستوى تعليمها ووعيها. استطلاعات الرأي التي تجريها جهة رسمية حول القضايا العامة كالخدمات والسياسة، لا تحظى بتجاوب أكثر من ١٢ بالمئة من النساء قياساً إلى عدد الرجال المشاركين، هذه النسبة سترتفع -بالتأكيد- وبشكل كبير إذا ما جرى استطلاع حول أيٍّ من الأمور التافهة التي تجتاح مواقع التواصل، بما يعد مؤشراً على خطر كبير يهدد المجتمع والاسرة. عالم التفاهة بات يقدم نماذج للمرأة على انها القدوة، تافهة بمنطقها وسطحية تفكيرها واهتماماتها، بما يخلق مشكلات أسرية لم تعد خافية على أحد. للمثال: إحدى هؤلاء ممن ينقلن كل تفاصيل حياتهن إلى المتابعين بالصوت والصورة، تتحدث عن هدية تلقتها من زوجها في عيد الحب وهي عبارة عن خاتم من الماس وتوجه كلامها للأزواج: لا تقضونها بدبدوب ووردة، بل تعلموا من زوجي وهداياه الثمينة. تخيّلوا فقط تأثير هذا التحريض على علاقات الكثير من الزوجات مع أزواجهن. المحتوى الهابط بات يروج للفحش، والسطحية، ويقدم صورة لحياة وسلوك لا تتوفر تفاصيلها لأغلب العائلات بما يخلق حالة عدم رضا تنتهي بمشكلات وطلاق، ودونكم المحاكم وانظروا حجم حالات الطلاق وأسبابها. المحتوى الهابط والفاحش، وعلاقة مروجيه بأصحاب نفوذ سياسي وعسكري بات خطراً حقيقياً وهو بحاجة إلى جهد متواصل من أعلى المستويات لمكافحته وتجنيب المجتمع عواقبه الوخيمة.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"