التداول السلمي للسلطة مدوّنة في غالبية دساتير العالم بما فيها الدول التي تحتكر السلطة فيها حفنة من ابناء العائلات النافذة، والوارثين المغتصبين للسلطة، والحاكمين باسم الانتخابات المزورة، وبالتفويض الديني، والكرسي في هذه الحالات خندقٌ تسيل اقنيته الدماء، واسم مستعار لحكم الاستبداد، وهو وسيلة مصادرة الحقوق وتقرير مصائر الامة، والصراع للوصول اليه يتخذ ما لا حصر له من الطرق، من بينها وسيلة الفروسية النبيلة عبر التنافس الحر والمتكافئ والحضاري بين الارادات وجدارة المشاريع وصدقية الوعود وسلامة نيات الزعماء واهليتهم، بموازاة وسائل النصب والارشاء والحروب الطاحنة واعمال الغدر والتآمر والايقاع بالمتنافسين واغتيالهم.، ويصل هوس الامساك بالكرسي(في المثال العراقي الراهن) الى اغتيال المنافسين والمعارضين والنشطاء السياسيين وارشاء المحتاجين والوجهاء والدعاة الدينيين، الامر الذي (وايضا في المثال العراقي) يفقد صفة التداول السلمي المنصوص عليها في المادة 6 من الدستور بوجوب ان « يتم تداول السلطة سلميا عبر وسائل الديمقراطية». والحال، فان التداول السلمي للسلطة هو التداول السلمي للكرسي في اختصار بلاغي لقاعدة «لكل حاكم وقت يجلس فيه على الكرسي» لكن سحر الكرسي يثير، حين نتأمل تجارب الحكم في العراق، شهية استبدادية تتمثل في التشبث به والتنكيل والتآمر لمنع الاخرين من الوصول اليه. الى ذلك فان للكرسي اربعة قوائم، ويقال انها وُضعت لاول مرة (في قديم الزمان) على هدى ارتكاز الحيوان على اربع، واقدم انواع الكراسي اخترعت لمقام السلطان وكانت من غير مسند “ليسهل الدوران عليها» وسرعان ما وُضع لها المساند (اللعنة) لكي تريح الحاكم وتستبقيه اطول وقت. ثم تطور تصميمها لتكون على هيئة اُسود او ذئاب او صقور او ثعالب لتشيع المهابة والخوف في قلوب الجمهور، وكان البعض من اولئك السلاطين يتمثلون اخلاق وجموح وعنجهية تلك الحيوانات، فيما يتنقلون في المحافل على اكباش مدربة، او على اكتاف رجال اشداء، بعضهم من الاسرى او السجناء او ممن يراد إذلالهم. بعد تجربة مديدة اكتشف صناع الكراسي حاجة السلطان الى الاسترخاء الى الوراء فاخترعوا “الكرسي الهزاز” الذي يضمن لصاحبه كفاية من الراحة، ولطالما نام السلاطين على تلك الكراسي، وخلدوا الى الراحة عليها من “عناء الحكم” و”قطع الرقاب” وبعضهم كان يصدر قراراته الخطيرة والمصيرية من على تلك الكراسي الباذخة الهزازة. بعض اصحاب الكراسي يخشون تركها لمنافسيهم حتى ليوم واحد، في الانتخابات او في غيرها.. وعندهم: قطع الرقاب ولا قطع الارزاق.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"