30 Mar
30Mar

المقدمة
بتاريخ 27 آذار 2024، صادقت اللجنة العليا للإصلاح الأمني، على إستراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024- 2032، في جلسة ترأسها دولة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، حيث اكد فيها أن منهج الإصلاح في الأجهزة الأمنية جزء مكمل للإصلاح في باقي القطاعات. وتأتي المصادقة على إستراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024- 2032، كجزء من متطلبات المنظومة الأمنية العراقية في مرحلة ما بعد الانتصار على داعش، والانتقال إلى مرحلة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية». ومن الجدير بالذكر أن الإعلان عن مصادقة اللجنة العليا للإصلاح الأمني عن هذه الاستراتيجية يأتي في سياق يتوافق مع مقومات ومتطلبات الأنظمة الديمقراطية، في المساءلة والشفافية ومراعاة مبادئ حقوق الإنسان. وبحسب البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء فأن إستراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024- 2032، ترتكز على خمس مرتكزات أساسية هي:
1.مراعاة مبادئ حقوق الانسان.
2.إجراء إصلاح شامل للمنظومة الأمنية.
تثبيت المهام والواجبات بين التشكيلات العسكرية والأمنية.4.رفع القدرات التسليحية للأجهزة الأمنية، بما يتناسب والضرورات التي تفرضها الواجبات المناطة بالأجهزة الأمنية، والتقدم التكنولوجي.
5.ضرورة إيجاد التشريعات القانونية اللازمة لكل القطاعات والأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع المعايير الدولية.
السؤال المطروح في هذه المقالة هو عن دوافع وأسباب طرح إستراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024- 2032، ومدى الحاجة اليها اليوم.
الأسباب الموجبة
افرزت تجربة بناء الجيش العراقي الجديد منذ عام 2003، مؤسسة عسكرية وأمنية ذات هيكلية تنظيمية معقدة تمثلت بترهلها وضخامة انفاقها المالي وهو ما شكل عبئا» ماليا» على الدولة العراقية من جهة وعرقل سرعة تلبية المتطلبات اللوجستية والتسليحية للمؤسسة العسكرية العراقية، التي تتألف من} وزارة الدفاع (الجيش العراقي الاتحادي) – وزارة الداخلية (الشرطة الاتحادية) – جهاز مكافحة الارهاب – الحشد الشعبي – جهاز الامن الوطني – جهاز المخابرات – البيشمركة {. الأمر الذي يستدعي اليوم الحاجة الى إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية العراقية وبنائها المؤسسي. خصوصا» وأن إدارات وتشكيلات المؤسسة العسكرية العراقية، جرى تشكيلها، بغياب رؤية استراتيجية موحدة ومتناسقة. فقد عملت كل مؤسسة أو إدارة من هذه المؤسسات أو الإدارات، على التعاقد لغرض التسليح والتجهيز والتدريب كلاً على حده دون التنسيق مع المؤسسات الاخرى، مما عرقل توفر الوضوح لدى القائد العام للقوات المسلحة على مستويات ونوع التسليح والتدريب للقوات التي من المفترض أنها بإمرته حسب الدستور، وهو ما أثر بشكل أو بأخر على دقة وسرعة ونجاعة اتخاذ القرارات الأمنية، وكذلك صعوبة واضحة في التعاون والتنسيق بينها على مستوى العمليات العسكرية والاستخبارية استنادا» لما ظهر من معاضل تنظيمية خلال التجربة التي مرت بها المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية منذ عام 2003، والدروس المستنبطة من حربها ضد التنظيمات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة وداعش. ولهذا فقد برزت الحاجة الى إعادة النظر في البناء المؤسسي والتنظيمي للمؤسسة العسكرية، لغرض تلافي ومعالجة السلبيات والمعاضل التي افرزتها تجربة السنوات العشرين الماضية.
الحاجة الى إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية
في مطلع كانون الثاني 2018، اعلنت وزارة الدفاع العراقية عن وضع خطة لإعادة هيكلة الجيش خلال عام 2018، بالتعاون مع قوات التحالف الدولي. الأمر الذي يدل على ان إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية العراقية، باتت مطلبا» ملحا» بعد سنوات من الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي، التي افرزت سلبيات عديدة في الهيكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية العراقية، فضلا» عن التطورات التي حصلت في التسليح والتجهيز والاداء القتالي لتشكيلات وفرق وقيادات المؤسسة العسكرية، طيلة سنوات من التجارب القتالية ابان الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي. كما أن التحديات الامنية الخارجية والداخلية قد تباينت واختلفت بشكل كبير عن مرحلة تشكيل وزارة الدفاع العراقية بعد عام 2003، الأمر الذي بات يتطلب اعادة النظر بكيفية ربط الهيكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية العراقية بالخطط والأهداف الموضوعة ضمن استراتيجية الامن الوطني العراقي. في 14/9/2019.
اصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الاسبق (السيد عادل عبد المهدي)، الامر الديواني المرقم (328)، والمتضمن اعادة تشكيل (قيادة العمليات المشتركة). كخطوة مهمة في اطار إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية العراقية، وهو أمر على قدر كبير من الاهمية في ممارسة وتعزيز مبدأ وحدة القيادة والسيطرة على الموارد العسكرية والامنية للقائد العام للقوات المسلحة، وأيضا» توحيد الجهود والموارد الأمنية والعسكرية لمنظومة الدفاع العراقية تحت قيادة وأمرة (قيادة العمليات المشتركة)، وبما يتفق مع المادة (78) والفقرة (ثانيا) من المادة (110) من الدستور العراقي لسنة 2005 ، خصوصا» بعد تمثيل هيئة الحشد الشعبي ووزارة شؤون البيشمركة في قيادة العمليات المشتركة ، بحسب المادة (1) من الامر الديواني أعلاه. الا أن مراجعة لما ورد من بعض صياغات مضمون الامر الديواني (328) أظهرت عدم اتساقها مع بعض المواد الدستورية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ان المادة (3) من الامر الديواني جاءت غامضة من حيث الارتباط من ناحيتي العمليات والإدارة، كونها لم تتسق مع صياغة ما ورد في المادة (1) التي اشارت بوضوح الى (رئيس) لقيادة العمليات المشتركة (برئاستنا) وليس الى قائد (بقيادتنا) ، بالإضافة الى صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة ، في قيادة التشكيلات والاجهزة الامنية المشار اليها في المادة (1) من الامر الديواني (328). كما أن المادة (3) من الامر الديواني جاءت غامضة من حيث الارتباط من ناحيتي العمليات والإدارة لقيادة العمليات المشتركة، كونها لم تتسق مع صياغة ما ورد في المادة (1) التي اشارت بوضوح الى (رئيس) لقيادة العمليات المشتركة (برئاستنا) وليس الى قائد (بقيادتنا)، بالإضافة الى صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، في قيادة التشكيلات والاجهزة الامنية المشار اليها في المادة (1). ولم يتضمن الامر الديواني (328) أي اشارة لدور أو منصب لوزير الدفاع أو رئيس اركان الجيش في قيادة العمليات المشتركة، الامر الذي قد يترتب عليه تداعيات سلبية في قدرة قيادة العمليات المشتركة ممارسة دورها في التنسيق والتعاون والقيادة بين مختلف صنوف وأفرع القوات المسلحة.
استراتيجية اصلاح القطاع الأمني العراقي 2024- 2032
ومن عام 2019 ولغاية نهاية عام 2022، لم يتخذ اجراء واضح، باتجاه إعادة تنظيم أو اصلاح المؤسسة العسكرية العراقية، بسب الأوضاع السياسية المضطربة التي شهدها العراق وتداعيات جائحة كورونا التي شهدها العالم خلال تلك المرحلة، فجمد برنامج اصلاح القطاع الأمني، الذي كان العمل جاريا» به، ولم يتم إعادة تفعيله الا بعد استلام رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني لمنصبه في 27 تشرين الأول / أكتوبر 2022. حيث اهتمت حكومة السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بالملف الأمني منذ الأيام الأولى لاستلامها المسؤولية، وتمظهر هذا الاهتمام بإنهاء تكليف عدد من القيادات الأمنية، والتركيز على رفع قدرات القوات الأمنية، كما تم تفعيل برنامج اصلاح القطاع الأمني العراقي، حيث جرت المصادقة استراتيجية إصلاح القطاع الأمني بتاريخ 27 آذار/ مارس 2024، في اجتماع للجنة العليا لإصلاح القطاع الأمني برئاسة القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني. وارتكزت استراتيجية اصلاح القطاع الأمني العراقي 2024- 2032، على إجراء إصلاح شامل للمنظومة الأمنية، بالشكل الذي يتوافق مع مقومات ومتطلبات الأنظمة الديمقراطية، في المساءلة والشفافية ومراعاة مبادئ حقوق الإنسان، وارتكازها أيضاً على تطوير القدرات، في الجوانب التسليحية والتكنولوجية، إلى جانب تثبيت المهام والواجبات بين التشكيلات العسكرية والأمنية المختلفة، وإيجاد التشريعات القانونية اللازمة لكل القطاعات والأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع المعايير الدولية. وتعتبر هذه الاستراتيجية خطوة مهمة باتجاه إعادة تنظيم المؤسستين العسكرية والأمنية.
الخاتمة
خلاصة القول أن المضي في تطبيق إستراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024- 2032، التي صادقت عليها اللجنة العليا للإصلاح الأمني، برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، لابد أن تأخذ بنظر الاعتبار جملة من المبادئ والمتطلبات التي ينبغي أن تستند اليها للمرحلة المقبلة، مثل تخفيض النفقات والاخذ بمبدأ الكلفة والتأثير، والعمل على بناء قاعدة محلية للإنتاج الحربي، وكذلك اصدار القوانين والتشريعات الخاصة بتحديد صلاحيات القيادات العسكرية العليا و القادة الكبار، بالإضافة الى اصدار القوانين الخاصة بتحديد مهام وارتباط القيادات والمؤسسات العسكرية ضمن (منظومة الدفاع العراقية) مثل (وزارة الدفاع و البيشمركة والحشد الشعبي وجهاز مكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية) لتجاوز معاضل التداخل والتقاطع في المهام والواجبات وساحات العمل وتقليل الترهل والانفاق المالي في المؤسسات العسكرية والأمنية. وكذلك تطوير الهيكل التنظيمي للقيادة والسيطرة، بحيث يضمن القدرة على تحشيد كل الموارد المتاحة (تحشيد القوة) لمواجهة التهديدات المحتملة في اطار من التكامل والتفاعل التام لكل افرع وصنوف القوات المسلحة العراقية.


اللواء الركن المتقاعد
باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة