ما أن بدأ استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حتى بدأ التحذير من استخدامه في الصراع وفي محاولات إستغلاله أمنياً واقتصادياً بعمليات سرقة وإحتيال ، وبدأ التخويف من أن البشرية قد تندم على إخراج المارد من قمقمه وفقدان السيطرة عليه ، فقد انتقل الذكاء الاصطناعي من ساحة الخيال الى الواقع ومن خدمة الإنسانية وفعل الخير الى ميدان الشر كسلاح ذي حدين ، ومثلما يستخدم لحماية كوكب الأرض وإنقاذ الارواح والبيئة وتوقع الكوارث وتحسين طرق مواجهتها ، فقد يستخدم بالضد من كل ذلك ، وقد تصلنا هذه التقنية متأخرة بعد شيطنتها وتطويعها بالشكل الذي يطوّر امكانات وخبرات المحتالين ويضعف طرق مواجهة شبكات النصب والاحتيال ومكافحة الفساد والمفسدين ، وقد يصبح العالم أمام معضلات اخلاقية وقانونية في حالات الاستخدام السلبي للذكاء الاصطناعي وسرقة الحقوق الفكرية والقضاء على المهن الابداعية،فقدرات هذه التقنية الخارقة تفوق التوقعات حتى بات ممكناً كتابة المقالات بواسطة الذكاء الاصطناعي دون أي جهد او تفكير ومنافسة الكتّاب والصحفيين المساكين على آخر ماتبقى لهم من حقوق ووجود في هذه الدنيا الفانية ، والمشكلة قد تداهمنا فجأة لضعف المعرفة بهذا المجال ولغياب التشريعات المتعلقة بهذه التقنية الجديدة، وقد شهد الاسبوع الماضي حادثتان قرعتا ناقوس الخطر ، الأولى في الصين والثانية في مصر ، حيث إنتحل محتال باستخدام الذكاء الاصطناعي شخصية صديق رجل أعمال صيني وسرق منه 600 الف دولار ، وحسب الأخبار فإن الضحية ويدعى (غوو ) كان قد تلقى مكالمة عبر الفيديو من أحد اقاربه ويتطابق مع شكله وصوته الى درجة كبيرة ونجح في إقناع غوو بتحويل مبلغ قيمته ( 4.3 ملايين يوان ، نحو 615 ألف دولار) من الحساب المصرفي لشركته ، وبعد فوات الأوان أدرك (غوو ) وقوعه في شراك ( حرامي إصطناعي) فاتصل بالشرطة التي أمرت المصرف بوقف عملية التحويل وتمكنت من استعادة جزء من المبلغ لكن دون التعرف على هوية السارق الذي استطاع بالذكاء الاصطناعي خداع غوو وسرقته والإفلات من الشرطة ، وفي مصر أثارت أغنية لأم كلثوم بثها أحد الفنانين بهدف (إحياء التراث) جدلاً كبيراً ووصفت العملية بأنها انتهاك للملكية الفكرية بإستخدام الذكاء الاصطناعي للحصول على صوت (كوكب الشرق) وسرقة موروثها الفني بعد نصف قرن على وفاتها، واذا كانت عمليات الاحتيال بالذكاء الاصطناعي تحصل لدى العملاق الصيني الذي يأتي ثانياً بعد الولايات المتحدة فكيف الحال بالدول التي لاينالها من الذكاء الاصطناعي إلا أضراره والنصف الفارغ منه ؟ وإذا كان المستقبل للذكاء الاصطناعي بخيره وشره، فما هو موقع العراق في هذا الواقع الجديد وأين نحن من هذه التقنية التي وصلت الى دول الجوار وحققت فيها قفزات هائلة في مجالات الحياة المتنوعة والخدمات كافة؟ هل نملك نواة للذكاء الاصطناعي او هيأة كخطوة أساسية؟ ألا يجب أن نخاف ونقلق لأن الذكاء الاصطناعي يعني امكانية تحقيق انتصارات بلا معارك تقليدية وسرقات دون حاجة لدخول المصارف ولا مخاطبات ولا نقل الأموال بالسيارات كما حصل في سرقة القرن ، أم لانقلق لأن حرامينا مازال حقيقياً وليس اصطناعياً ، و ذكياً وإبن حلال يسرق محفظة النقود من الجيب ويرمي الوثائق الشخصية شعوراً بالمسؤولية وتقديراً منه لصعوبة المراجعات وإنجاز معاملات البدل الضائع للمواطن الكريم.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *