21 Apr
21Apr

عرض في شهر رمضان المبارك هذا العام مسلسل درامي ابتعد عن فلسفة الفن وقيمه ، وقد اثيرت حوله ضجة اعلامية كبيرة لما احتواه من اسماء كبيرة في عالم الفن والدراما وما يؤشر اليه في المسلسل انه قد اظهر الواقع العراقي بشكل غير صحيح ، فالشخصية الرئيسة ( البطل ) بلا هدف وتظهر على مدار المسلسل مخمورا ومتعاطيا للمخدرات و قاتلا ، ونحن نعرف أن المتلقي يكون أحيانا صبيا او شابا في مقتبل العمر يتأثر بما يشاهد بوعي ومن دون وعي ويعتقد أن ما يشاهده بالفعل هو واقع كل العراق او اصبح هكذا ، ثم لا نجد امام هذه الشخصية الرئيسة ، شخصية أخرى قوية موازية لها في المسلسل تدعو الى الخير والقيم العليا بل على العكس كانت تصاحبها شخصيات ضعيفة داعمة لها في الشر والاذى وفي أحسن الأحوال شخصيات مغلوبة على امرها ، وانا هنا لا أتحدث عن القضايا الفنية بل عن الهدف من هكذا دراما صرفت عليها ملاين الدولارات من الجهات المنتجة ، فما لذي تريد أن تقوله ؟
لقد ابتعدت هذه الدراما في شهر رمضان هذا العام عن هموم الفرد و قدمت شخصية مبتذلة وغير مقبولة تدعو الى الانحراف والسلوك غير السوي ، مبتعدة عن شخصية الانسان العراقي بالواقع ، نحن لا ننكر وجود نماذج منحرفة في المجتمع العراقي لكن بالمقابل توجد شخصيات نفخر بها وهي نموذج راق ويقتدى به .
كما أن الدراما التي دعمتها الحكومة من خلال شبكة الاعلام العراقي لم تكن بمستوى انتاج الشركات والقنوات الأخرى التي قدمت تلك الشخصيات، فقد قدمت كاركتر بسيطا لم يكن مؤثرا ولم تكن نسب المشاهدة عالية وقد اضطر الفنان المبدع إلى الموافقة عليه من اجل تأمين متطلباته المعيشية ، حتى إن كان هناك نص وإنتاج لا يرتقيان الى مستوى الطموح .
وهذا لا يعني أن كل الدراما التي عرضت خلال شهر رمضان المبارك خلت من الشخصيات الإيجابية والطرح الموضوعي الذي يستحق الاشادة لما قدمته من رؤى ونقد بناء ،وإحدى هذه المسلسلات تناولت حقوق ذوي الهمم في العراق وقد ابدع فيها العديد من الفنانين لا سيما الفنان الكبير حسن حسني في شخصية الجد لفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة فقدم لنا نموذجًا رائعا يمثل شخصية الفرد العراقي لمًا يمثله من سمو ونبل اخلاقي ، لقد كانت شخصيته مقنعة ومؤثرة . وفي المقابل كانت شخصية مفوض الشرطة الفاسد التي اداها الفنان المبدع اياد الطائي مبدعة ايما ابداع . نرى أن هذا الشخص الذي يمثل العدالة هو من يخترق القانون ولا يلتزم به وهو يعامل والدته بطريقة سيئة يزور ويرتشي ويقلب الحقائق من اجل الكسب المادي غير المشروع وهذه الشخصية نراها حاضرة في مجتمعنا .
ولا يفوتني أن أعرج على متغير خطير طرأ على الدراما العراقية في شهر رمضان ألا وهو الاستعانة بمشاهير (السوشيال ميديا) في الأعمال الدرامية . وليت شعري إلى أي مدى يذكرني هذا بالمقاييس القاسية السابقة التي كان يخضع لها خريج أكاديمية الفنون الجميلة قبل قبوله في دور ثانوي لا يتجاوز مشهدا واحدا أو مشهدين . فما الذي يجعل المنتج يقبل بشغف على إقحام (البلوكرية واليوتيوبرية) المثيرين للغط والجدل في الأعمال الدرامية ؟ ولست أجد جوابا لهذا السؤال سوى ما يمتلكونه من متابعين على مواقع التواصل ، وهنا انقلبت المعادلة الفاضلة لأي عمل درامي فبدلا من النهوض بثقافة المجتمع أصبح لعاب المهووسين بالمحتوى الفارغ متحكما برسم هيكيلية الأعمال الدرامية .. والقادم قد يكون أسوأ.


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة