27 Jun
27Jun

هل بالإمكان أن تكون هناك وجهات نظر متعددة على طاولة نقاش علني واحدة، يجلس أصحابها متجاورون، يقدمون آراء مختلفة، قد تتضارب، أو ينفي بعضها الآخر، دون أن ينشب شجارٌ بين أصحابها أو ترتفع أصواتهم أو تلحظ الشرر في أعينهم؟! ربما ما يدفع نحو هذا السؤال، هو مشهد الاستقطاب السائد في الإعلام العربي وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تجد في كثير من الحالات - وبالتأكيد ليس أجمعها – الصوت الأعلى والأكثر تعصباً هو المؤثر، وسط حالة من رفض الآخر تصل أحياناً إلى صراعات تشبه “الاغتيال المعنوي” الذي يمارس عبر التخوين أو التفسيق أو الاتهام بالعمالة والمروق من الدين، وسواها من الاتهامات!بالعودة إلى السؤال أعلاه، يمكن القول إن الاختلاف الموضوعي بين أصحاب الآراء أمر ممكن، طالما قدمت الأفكار بوصفها وجهات نظر بشرية صرفة. برنامج “ساعة حوار” الذي يبث على الهواء مباشرة عبر قناة “العربية”، يمكن الإشارة له بوصفه مثالاً لنقاش حيوي بين مجموعة من المهتمين والخبراء في قضايا سياسية - فكرية متعددة، وهو رغم تناوله ملفات على قدر كبير من التعقيد إلا أنه قدمها في حلقات عدة دون الوقوع في فخ “الضجيج الأجوف”. “ساعة حوار” استطاع أن يجمع على ذات الطاولة ضيوفاً يؤيدون “حماس”، وآخرين ينتقدونها، ومحللين سياسيين يمتدحون “محور المقاومة” وإلى جوارهم من ينتقد “المحور”؛ دون أن يستحيل هذا التباين الواسع في الأفكار إلى صدام بين المتحاورين. إن قوة أي برنامج في قدرته على اجتراح رؤية تحليلية موضعية، متعددة في وجهات النظر، علمية في مرتكزاتها، بعيدة عن الأحكام المسبقة أو الانحيازات الذاتية، لأن المشاهد يستحق أن تقدم له المعلومات الموثوقة، مدعومة بسياقاتها التاريخية والحديثة، ومعانيها وما تدل عليه هذه المعلومات، وإلى ماذا ستفضي؛ كي يكون صورة شاملة عن التطورات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط.صورة يتم بناؤها عبر المعطيات الحقيقية، لا الأمنيات ولا العواطف السياسية الانفعالية.العقل التحليلي الهادئ، غير الغرائزي، هو من بإمكانه أن يكون أحد روافد “التنوير المعرفي”، والسياسة بهذا المعنى جزء من الفعل الثقافي، وهو فعل لا يمكنه أن يتم إلا عبر بناء وعي متراكم، والإعلام في أحد صوره، هو أحد رافعات “التنوير” عندما يكرس التعددية الفكرية ويبرزها للجمهور العام.


* نقلا عن "البلاد"

الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة