29 Apr
29Apr

يعرف عبد الوهاب الكيالي وآخرون في الموسوعة السياسية الكاملة الدولة - The State - “  بأنها الكيان السياسي والاطار التنظيمي الواسع لوحدة المجتمع والناظم لحياته الجماعية وموضع السيادة فيه، بحيث تعلو ارادة الدولة شرعا فوق ارادات الافراد والجماعات الاخرى في المجتمع وذلك من خلال امتلاك سلطة اصدار القوانين واحتكار حيازة وسائل الاكراه وحق استخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف ضبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم في الداخل والامن من العدوان في الخارج، والى جانب الاستخدام العام للمصطلح بمعنى الجسم السياسي للمجتمع هناك استخدام اكثر تحديدا يقتصر فيه المعنى على مؤسسات الحكم. وتتألف عناصر الدولة من الشعب والارض والسلطة ومن الناحية القانونية تعتبر الدولة شخصية قانونية موحدة وكيانا اجتماعيا دائما يتمتع بسلطة الامر والنهي على نحو فريد في المجتمع، يضم هيئة من الاشخاص الطبيعيين يديرون السلطة العليا للدولة التي تمارسها عنها وكالة الحكومة”. وهناك عشرات التعريفات التي تبحث في مفهوم الدولة «كمفهوم» فضلا عن نشأتها ووظائفها وادوارها التي مهما اختلفت مفردات توصيفاتها، لكنها تحتفظ بجوهر وظيفتها بعدّها الكيان السياسي التنظيمي لوحدة المجتمع بما يستلزم ذلك من حصرية سلطة ادارة ذلك المجتمع من قبل الدولة ومن يمثلها، سواء كان ذلك بعقد اجتماعي أو تفويض سماوي أو غيره من مراحل نشأة الدولة وتطورها.

برز في الايام الماضية مصطلح «قوى الدولة وقوى اللادولة» والمصطلح سياسي اكثر مما هو اكاديمي، لكن من يطرحه يحاول بشكل واضح ان يوصل رسالة مفادها اهمية التفريق بين القوى والاحزاب السياسية التي تؤمن بعلوية الدولة وحصرية دورها في ادارة شؤون الافراد بما يمثل سيادتها عليهم جميعا، وبين القوى والاحزاب التي تنافس الدولة في سيادتها الحصرية بإدارة شؤون المجتمع.

تسمية احزاب معينة لنفسها بأنها تمثل قوى الدولة واتهامها لاحزاب منافسة لها بانها قوى اللادولة امر غير منتج بالمرة لانه لا يوجد اي حزب يدعي انه يمثل قوى اللادولة -ببساطة - لان وظيفة الحزب الاساسية «هي الوصول الى السلطة» ومن ثم تنفيذ برامجه السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك، فكيف لحزب يريد الوصول الى السلطة ان يدعي انه ضمن قوى اللادولة؟ لذا فإن جميع القوى السياسية المؤمنة بالنظام السياسي والمساهمة فيه تعد نفسها قوى الدولة وان كان سلوكها السياسي لا يؤمن بدور الدولة الحصري بادارة شؤون الناس. لذا فإن هذا المصطلح يستفز فينا مجموعة من التساؤلات؛ فمن هي القوى التي يمكن تسميتها قوى الدولة، أي انها تؤمن بشكل مطلق بسيادة الدولة وهذا يستلزم عدم امتلاكها لجانا اقتصادية أو نفوذا في مؤسسات الدولة غير وظيفي أو حتى صياغة قرار سياسي من شخصيات خارج اطار الدولة؟ ومن هي قوى اللادولة اذا كانت اغلب القوى السياسية الكبيرة في الاقل تمتلك السلاح والمال والاقتصاديات بل ولزعاماتها مساحة في اتخاذ القرار وان لم يكونوا جزءا من موظفي اتخاذ القرار؟ وبعد ذلك من يحق له تقسيم القوى السياسية بين قوى الدولة وقوى اللادولة ؟ وهل سلوك جميع القوى السياسية ثابت ازاء الدولة سواء توافقت مصالحهم مع « سيادة» الدولة او اختلفت معها؟ . 

هذه الاسئلة وغيرها تستفز فينا التفكير جديا بأهمية تمكين سيادة وحصرية الدولة لادارة ورعاية شؤون المجتمع بلا مزاحمة داخلية ولا تدخل خارجي علّنا نصل الى مقاربة جديدة تمثل طريقا لبناء الدولة بشكل حقيقي.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة