الزلزال بتركيا و سوريا يُغرق الملايين من البشر في المزيد من البؤس و الفضائع
الزلزال بتركيا و سوريا يُغرق الملايين من البشر في المزيد من البؤس و الفضائع
17 Feb
17Feb
ضرب زلزال مدمّر جنوب تركيا و شمال سوريا و ذلك يوم الإثنين 6 فيفري حوالي الرابعة صباحا بالتوقيت المحلّي . قفز مئات الآلاف الذين حالفهم الحظّ و إستيقظوا جرّاء الرجّات الأولى للزلزال ، من فراشهم و خطفوا أطفالهم و غادروا المنازل إلى الشوارع في البرد القارس للشتاء و هم يرتدون ثياب النوم و أقدامهم حافية . و لم يكن لعشرات الآلاف الآخرين من الوقت بما يمكّنهم من مغادرة المنازل فسُحقوا أو وجدوا أنفسهم تحت أنقاظ 6000إلى 7000 بناية تداعت في تركيا وحدها. و إنهارت عدّة عمارات ذات طوابق متعدّدة إنهيار أوراق لعبة الورق فكان الطابق ينهار فوق الطابق الموجود أسفله ما لم يدع أيّ فضاء للعالقين بين الطوابق ليظلّوا على قيد الحياة .و يوم السبت ، تأكّد أنّ 34 ألف شخص لقوا حتفهم في البلدين و هذا رقم مرجّح للنموّ بصفة ملموسة مع إجاء أبحاث في الحطام الذى خلّفه الزلزال ( في سوريا التي تلقّت بالكاد ايّة مسالعدة عالميّة إلى الآن لم تتمّ عمليّات البحث عن منكوبين إلاّ في 5 بالمائة من المواقع المنهارة ، يوم الخميس ) و جُرح عشرات الآلاف و جروح الكثير منهم بليغة . و قد إنهار نظام الصحّة ذلك أنّ عديد المستشفيات و المصحّات قد تضرّرت وهي تفتقد إلى الخدمات و الحاجيات الطبّية الأساسيّة و أسرّة و أطبّاء بالعدد الكافي .و علاوة على الوفايات و الجروح المباشرة ، تنمو أزمة إنسانيّة هائلة . فآلاف المنازل و إن ظلّت واقفة ، تضرّرت هيكليّا بحيث لم يجرأ الناس على العودة إليها . و مئات الآلاف يجدون انفسهم فجأة بلا منازل في شتاء قاتل فيضطرّون للعيش في خيام و سيّارت و جوامع و ملاعب رياضيّة أو على مجرّد أرصفة الطرقات ، بلا تسخين و لا ضوء كهربائيّ و بالقليل جدّا من الغذاء الثمين و الماء الصالح للشرب . و تحذّر الأمم المتّحدة من خطر إندلاع أمراض وبائيّة كالكوليرا إعتبارا للظروف الصحّية الرهيبة و النقص في الماء النظيف .و أثّر الزلزال على ما يقدّر ب 23 مليون شخص يقطنون عشرة محافظات في تركيا و عشرات المدن و عديد المناطق الريفيّة . و عدّة ملايين من هؤلاء الناس لاجئون سوريّون نزحوا جرّاء الحرب الأهليّة التي إمتدّت على 12 سنة هي في الواقع حرب الوكالة بينالقوى الإمبرياليّة العظمى ( الولايات المتّحدة و روسيا ) و كذلك قوى مناطقيّة ( غيران و تركيا و العربيّة السعوديّة ) للهيمنة على سوريا . و كان هؤلاء الناس بعدُ يعيشون على حافة الهاوية غالبا في مخيّمات لاجئين و مرنهنين بالمساعدة الإنسانيّة . و الآن أضحى وضعهم في منتهى الضياع .ردّ فعل الحكومة الفاشيّة التركيّة :يترأّس حكومة تركيا رئيس فاشيّ ، أردوغان . و أوّل عمل هام قام به أردوغان يوم حصول الزلزال كان إعلان حالة طوارئ لمدّة ثلاثة أشهر . و يسمح هذا للحكومة بأن " تضع قيودا على الحقوق و الحرّيات الأساسيّة " وتُركّز منع التجوّل ليلا و عوائق أمام السفر و إصدار أوامر بالعمل الإجباري للخدمات المدنيّة . و في الحال حشد 3500 من القوّات العسكريّة للتوجّه إلى منطقة الزلزال . و يوم الأربعاء ، تمّ قطع خدمات الأنترنت قطعا حادا على ما يبدو بطلب من الحكومة ما عطّل جدّيا جهود إغاثة يقع تنسيقها عبر تويتر . و يوم الخميس ، ، أعلنت الشرطة أنّها " ألقت القبض " على 31 شخصا و " أوقفت " عدد من الآخرين لنشرهم " مقالات إستفزازيّة بشأن الزلزال على وسائل الإتّصال الإجتماعيّ ".و أشار عديد الملاحظين إلى أنّ في المرّة الأخيرة التي أعلن فيها أردوغان حالة طوارئ لمدّة " ثلاثة أشهر " – سنة 2016 – إنتهى الأمر إلى دوامها سنتين . و أثناء ذلك ، أكثر من 100 ألف شخص جرى إيقافهم و وقع طرد 150 ألف شخص من المشتغلين بالخدمات المدنيّة إعتبر النظام ولاءهم دون المطلوب . و علّق الكثيرون أيضا بأنّ الانتخابات الرئاسيّة مبرمجة لشهر ماي ما يجعل من اليسير على أردوغان أن يمدّد حالة الطوارئ و يؤجّل الانتخابات متى تبيّن له أنّه سيخسرها .بالنسبة إلى حكّام هذا النظام الإضطهادي ، الخطر الأساسي لهذه الكارثة يكمن في فقدان شيء من تحكّمهم في الجماهير الشعبيّة .AWOL و تنظيم جهود الإغاثة :امّا بالنسبة إلى الخطر الذى واجهته الجماهير و النضال الإستعجالي و اليائس لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس ، فقد كانت الحكومة في الأساس AWOL في الأيّام القليلة الأولى الحيويّة . في الغالب الأعمّ ، عمليّات الإنقاذ كانت قتوم بها الجماهير الشعبيّة و كانت تُقدم على ذلك عادة مستعملة أيديها لا غير طوال 20 إلى 30 ساعة متتالية . و لم يكن تقريبا يوجد شحن للغذاء و اللوازم الطبّية و حاجيات إستعجاليّة أخرى . و هذا بالرغم من واقع أنّ الحكومة التركيّة جمعت ما يقلّ عن 4 بليون دولار طوال العقدين الماضيين من أداءات خاصة من المفترض أن تموّل صندوق الإستعدادات للزلازل !في بلدة بزارسيك قرب مركز الزلزال ، قال مقيم هناك للقناة التلفزيّة آرتى تيفي ( Arti TV )" تعدّ قريتنا 350 منزلا دمّر منها 90 بالمائة . و الناس ينهشهم الجوع و العطش ، دعونا الشرطة و كالة الدولة لمواجهة الكوارث ( AFAD ) و ما من أحد جاء إلى حدّ الآن . و تحت الركام يقبع ما يقلّ عن 30شخصا . و قال لنا الحرس " تصرّفوا بوسائلكم الخاصة " . "و ديار بكر مدينة يقطنها حوالي 1.6 مليون نسمة . و من هناك ، وصف مراسل لسكاي نيوز كيف حصد الموت عددا كبيرا من السكّان و كيف كان الدمار ضخما لكن لم تتوفّر سوى قطعيتن من تجهيزات الحفر الضروريّة هناك . و أضاف ، " جهود الإنقاذ تعتمد على " عوّلوا على جهودكم الخاصة " . و قد إلتحق بنا عمّال المدينة و أعضاء من قسم الحماية المدنيّة لكن لم تبعث السلطات بمختصّين في البحث و الإنقاذ ". (1)و قد عرفت مناطق الزلزال مشاهدا مماثلة . و في كلّ مكان ، أناس محاطون بركام ما كان يوما منازل و هم ينتظرون بيأس على أمل ان يتمّ العثور على أبنائهم و أمّهاتهم و إخوانهم أو أحبّاء لهم آخرين على قيد الحياة حتّى و هم أنفسهم يعرفون عذابا رهيبا جرّاء العراء و الجوع و العطش . و الغضب ضد الحكومة في تصاعد .و كان ردّ فعل أردوغان على هذه العذابات التي لا تصدّق ردّا فاجرا : " بطبيعة الحال ، جدّت في اليوم الأوّل بضعة إضطرابات لكن بعد ذلك ، كان كلّ شيء " تحت السيطرة " ."أمّا بالنسبة إلى فرق الإنقاذ العالميّة التي حصلت على الكثير من التغطية الإعلاميّة فإنّ معظمها شرعت في الوصول يوم الأربعاء ، و عامة بأعداد رمزيّة . (2) تملك الفرق الأوروبيّة و الأمريكيّة مهارات و معرفة و تجهيزات و أيضا كلابا مدرذبة تساعد كثيرا في البحث ، لكن ليس بوسعها رفع الأموات – و 10 بالألف من ضحايا الزلزال لا يبقوا على قيد الحياة لمدّة أيّام ثلاثة . و يُسحقون تحت الركام فهم يرتدون لباسا رثّا في شتاء برده قارس ، بلا غذاء و لا ماء . و هكذا هذه " المساعدة العالميّة " – إلى جانب المطالبة بمساعدات ماليّة مستقبليّة – هي أساسا نقطة ماء في دلو (3).الزلازل لا يمكن منعها لكن يمكن الإستعداد لها – و لم يقع الإستعداد لها :كان الزلزال قويّا بدرجة 7.8 على سلّم رشتر . و قد تُبع عشيّة ذلك اليوم بتردّدات و إرتجاجات درجتها 7.5 . و للحصول على فكرة عامة عن مدى قوّة ذلك ، نذكّركم بأنّ زلزال هايتي سنة 2010 الذى تسبّب في قتل مئات الآلاف من البشر كانت قوّته 7.0 درجة على سلّم رشتر .عند هذه النقطة ، لا يمكن للإنسانيّة أن تتوقّع بدقّة فما بالك أن تمنع الزلازل لكن العلم موجود للإستعداد لها بطرق شتّى كي نخفّف دراماتيكيّا التدمير المباشر و العذابات الناجمة عن ذلك . فتركيا تقع فوق خطّي زلازل كبيرين ما يجعلها " من أكبر مناطق التحرّكات الزلزاليّة في العالم " و قد جدّ بها زلزال كبير سنة 1999 أسفر عن قتل حوالي 17 ألف إنسان كما جدّت زلازل أخرى مذّاك . و عليه ، لم يكن الزلزال الأخير " مفاجأ ".و هناك إجراءات لا بدّ من إتّخاذها في مناطق الزلزال – البنايات يمكن إعادة إقامتها كي يتمّ تجنّب تداعيها أثناء الزلازل القويّة . و ذخائر التموينات الإستعجاليّة و كذلك تجهيزات البناء يمكن أن توضع ماقبليّا إستراتيجيّا عبر المنطقة . و يمكن تدريب السكّان المحلّيين على المناهج الأكثر علميّة للبحث و الإنقاذ .هذه أنواع الأشياء التي يمكن و ستنجرّ عن مجتمع إشتراكي ثوريّ وهو نظام منظّم حول حاجيات الإنسانيّة و الكوكب .لكن في ظلّ النظام الرأسماليّ ، رفاه الجماهير شيء " خارجي " مرتبط دائما بالإندفاع نحو الربح . و حتّى صحيح أكثر حين يتعلّق الأمر بتركيا ، بلد رأسماليّ في ظلّ نظام أردغان الفاشيّ و حزب العدالة و التنمية ( AKP ) . لذا يبدو أنّه لم تقم و لا واحدة من هذه الإستعدادات – في الواقع ، إتُّخذت قرارات و سياسات واعية أعطت أولويّة للربح نسبة لللأمان ( مثال لذلك تجدونه في معلومات مصاحبة لهذا المقال ، " إنفجار البناء " في تركيا ).الرأسماليّة و البناء : تجاهل الحكومة لشبكات " البناءات غير الآمنة " بمليارات الدولارات ، و آلاف الموتى :بلغ أردغان و حزب العدالة و التنمية سدّة السلطة لأنّ الجماهير كانت غاضبة على الحكومة السابقة لهما و تعاطيهما مع زلزال سنة 1999 . و أحدث ضجّة كبرى حول محاسبة مقاولي البناء على الحياة المسروقة ، و أنّ " أيديهم ملطّخة بالدماء" إلخ .و لم يفعل ذلك إلاّ لأهداف ديماغوجيّة . و قد روّج حزب العدالة و التنمية نفسه لإنفجار في البناءات الكبرى كان مربحا جدّا للمستثمرين في البناء و قد أعطى دفعا للإقتصاد بشكل عام ، معزّزا الطبقة الرأسماليّة و مزيد بناء تركيا على صورة حلم أردغان ك " قوّة عظمى " . و كجزء من هذا ، نظر حزب العدالة و التنمية إلى الناحية الأخرى – إقتطاعات شركات البناء و إخفاق السلطات في فرض ضوابط البناء . و في سنة 2018 ، جاء في تقرير أنّ نصف البناءات في تركيا – موفّرة " شهادات/ تصاريح " رسميّة لبناءات غير آمنة مقابل الحصول على قدر من المال .و هذه العمليّة قد وفّرت للحكومة 3 مليارات دولار . و ما " نال " الجماهير هو الموت العبثيّ . و مثلما قال رئيس غرفة المهندسين المدنيّين سنة 2019 ، العفو [ الشهادات/ التصاريح ] " سيعنى تحويل مدننا ... إلى مقابر و النتيجة توابيت تظهر في بيوتنا . سواء كان غير مرخّص فيه أم متكوّن من طوابق تفوق العدد المخطّط له أصلا ، نالت جميع البناءات عفوا . وهذا أمر في غاية الخطورة . و قال أخصّائيّ في علم الزلازل وهو يتفحّص صور تداعى البناءات خلال الزلزال الأحدث: " من البديهي أنّ معظمهم لم يكونوا مصمّمين للصمود بقوّة أمام الزلازل " . و قد لقي هذا صدى لدي عديد الأخصّائيّين الآخرين . (4)سوريا : بعدُ مزّقت أوصالها ذئاب الإمبرياليّة و الآن يتمّ التخلّى عنها وهي تواجه الكارثة الطبيعيّة :الرأسماليّة – الإمبرياليّة - النظام المهيمن على الكوكب بأكمله و " منظّم " كلّ شيء حول مزيد مراكمة ثروات و نفوذ البلدان الإمبرياليّة العظمى - تؤدّى إلى لامساواة جغرافيّة هائلة . فالثروة و التكنولوجيا مراكمتين بيد حفنة من البلدان و بضعة مناطق . و في هذه المناطق ، توزّع أرباح هذه الثروات بدرجة معيّنة على مجمل السكّان . و في المناطق الأخر – معظم بلدان العالم ! – يولد الناس في فقر مدقع و يتعرّضون إلى إستغلال فاحش و تدوسهم دكتاتوريّات عنيفة و حروب مدمّرة .و هذا بارز حتّى في تركيا . ضرب الزلزال الجنوب التركيّ المعتبر " أحد مناطق البلاد الأفقر و الأقلّ تطوّرا " ، بعيدا عن مناطق تركيا الماليّة و الصناعيّة و السياحيّة . و جزء من المنطقة المنكوبة موجود بشمال كردستان ( جزء من كردستان واقع بتركيا ) . و الشعب الكرديّ أقلّية قوميّة مضطهَ>َة بمرارة في تركيا و كذلك في سوريا و إيران و العراق . و المنطقة الكرديّة لا تعانى من التجاهل و الفقر و حسب و إنّما كذلك من الهجمات العسكريّة المتكرّرة للحكومة التركيّة . و بالتالى ، هذه المناطق تملك اقلّ موارد وهي إلى ذلك صعبة البلوغ إنطلاقا من المناطق الأكثر تطوّرا . لكن الوضع في سوريا قبل الزلزال كان أسوأ حتّى – بسبب الحرب الأهليّة الجارية منذ 2011 ( أنظروا المعلومات المصاحبة للمقال ) . و بإعتبار قلّة التغطية الإعلاميّة ، لم يُلاحظ بقيّة العالم العذابات الجماهيريّة على نطاق واسع .سوريا – بعدُ قد مزّقت أوصالها الحرب بالوكالة الرجعيّة :إندلعت نيران الحرب الأهليّة في سوريا منذ 2011 و قد إنطلقت هذه الحرب كحركة شعبيّة جماهيريّة ضد النظام الكريه لبشّار الأسد ( حليف للإمبرياليّين الروس الذين يمثّلون أحد أهمّ منافسي الإمبرياليّة الأمريكيّة ) . لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتّحدة و روسيا و قوى إمبرياليّة رجعيّة أخرى . و دعّمت روسيا حكم الأسد بينما ساندت الولايات المتّحدة مجموعات متنوّعة من " المتمرّدين " – بمن فيهم مجموعات جهاديّة . و في الوقت نفسه ، إلتحقت قوى رجعيّة مناطقيّة أخرى مثل إيران و تركيا و العربيّة السعوديّة و إسرائيل و المجموعة الفاشيّة الإسلاميّة الجهاديّة داعش / إزيس جميعها بالمعركة . (5) و الآن تسيطر قوى متنوّعة على أجزاء من البلاد . و القوّات المسلّحة المدعومة من تركيا تسيطر عمليّا على جزء هام من منطقة الزلزال بسوريا في حين أنّ مناطق منكوبة أخرى تسيطر عليها مليشيات مدعومة من الولايات المتّحدة و / أو جهاديّة . و لا يزال معظم البلاد تحت سيطرة حكم الأسد المتركّز في العاصمة دمشق .قبل الحرب ، كانت سوريا تعدّ 22 مليون نسمة . و قُتل زهاء 350 إلى نصف مليون سوريّ و سوريّة أثناء الحرب و إضطرّ أكثر من نصف السكّان إلى مغادرة ديارهم (6).و يوجد مليون سوريّ و سوريّة محجوزين في مخيّمات لاجئين بسوريا – العديد منهم في المنطقة الشماليّة حيث ضرب الزلزال ، و 3.6 مليون فرّوا عبر الحدود مع تركيا و يوجدون إمّا في مخيّمات لاجئين أو مقيمين قرب المدن .و وفق الأمم المتّحدة ، أكثر من 4.5 مليون نسمة يعيشون في منطقة إدلب بسوريا التي هزّها الزلزال بعنف ، 2.9 مليون منهم نزحوا من أماكن أخرى من البلاد و بعدُ كان 90 بالمائة يحتاجون إلى المساعدة الإنسانيّة قبل إندلاع الزلزال . و الآن حاجتهم أكبر حتّى بكثير ممّا تقدر على توفيره موارد الوكالات .و روت جريدة " الواشنطن بوست " أنّ عضوا من مجموعة المساعدة المحلّية صرّح بأنّ : " طوال 12 سنة ، كنّا نطلب الغوث منادين الذين همّشونا و نحن نموت أمام أعينهم . و خلال هذه الأزمة الإنسانيّة الكبرى ، أدار العالم ظهره لنا كما لو أنّه لا وجود لبشر في المنطقة ، كما لو أنّه لا وجود لأرواح هنا ".فوق كلّ هذا ، النزاع الإمبريالي حول السيطرة على سوريا و بالخصوص واقع أنّ قوى مختلفة تسيطر على أنحاء مختلفة من البلاد ، قد أدّى إلى تقليص حاد في شحن المساعدات . و على إمتداد السنين ، شدّدت روسيا ( سيّدة الأسد ) في ألمم المتّحدة على أنّ أيّة مساعدة للمهجّرين يجب أن تمرّ عبر دمشق ، مركز سلطة الأسد . ما سيعطي الأسد نفوذا على أنحاء من سوريا خرجت عن سيطرته ، بما فيها جزء كبير من المنطقة التي ضربها الزلزال .هذا من ناحية ، و من الناحيّة الأخرى ، فرضت الولايات المتّحدة عقوبات صارمة على حكومة دمشق – و عقوبات على البلدان الأخرى التي تتاجر مع سوريا . و بالنتيجة ، بضعة بلدان فقط كروسيا و إيران يمكن أن تبعث بالمساعدة إلى دمشق ،و السبيل الوحيد للحصول على المساعدات للمناطق المناهضة للأسد في الشمال هو عبر حدود وحيدة و ذلك بالعبور من جنوب تركيا . و حتّى هذا المعبر جرى إغلاقه لعدّة أيّام إثر الزلزال .بالنسبة إلى هذه القوى ، القدرة على تغذية – أو تجويع – المهجّرين مسألة كسب ميزة سياسيّة / عسكريّة و ليست مسألة " إنسانيّة ".خاتمة :الزلزال الذى حلّ بتركسا و سوريا من القوى الطبيعيّة العتيّة التي لطالما واجهتها الإنسانيّة – و مهما كان نوع النظام الذى يحدث في ظلّه زلزال بهذه الدرجة ، لا شكّ في أنّ سيتسبّب في مأساة و عذابات .لكن مصدر الكثير من العذابات و الموت أثناء الكارثة التي حدود لها هنا ليس الكارثة الطبيعيّة في حدّ ذاتها و إنّما هو النظام الكارثيّ ، النظام الرأسمالي – الإمبريالي . ففي ظلّ هذا النظام ، يُنظر على البشر ( و بقيّة الطبيعة ، بالمناسبة ) عبر عدسات الربح و السلطة . و الإخفاق التام لهذا النظام في القيام بالإستعدادات اللازمة أو في الردّ ردّا مناسبا على ذلك على نطاق واسع ، و إن كان الزلزال " غير متوقّع " ؛ زيادة على الوضع البائس للجماهير حتّى قبل حصول الكارثة ، يصرخان برسالة مفادها أنّنا في حاجة إلى الثورة و إلى نظام جديد تماما ، إن كانت الإنسانيّة لتبقى على قيد الحياة و تزدهر على هذا الكوكب .