كانت احتجاجات تشرين 2019 محطة فارقة بين رؤيتين لإدارة الدولة الجديدة التي اعقبت تغيير النظام العراقي عام 2003 ، "فبعض يراها أرث لـ (استحقاق جهادي)، وآخر يتطلع الى بناء دولة العدل الاجتماعي التي يتساوى فيها الجميع في المغنم والمغرم"، قبل أن تتخطفها (المؤمسات وبعض من صنف ظلماً كنشطاء مدنيين)!، في لعبة مخابراتية دولية نجحت في امتطاء الاجهزة الامنية الداخلية، حققت الناتج بيد أنها فشلت في تحقيق النتائج، بسبب ارتفاع منسوب مطالب المنفذون المحليون المتمثل بكرسي الحكومة مقروناً بأدواتها.
بالمقابل كانت القيادات الشيعية قد ادركت التدخل الخارجي المباشر في ادارة الاحتجاجات، بعدما فضحها استهدافها لمكون سياسي واحد، فانتهت الى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في سابقة تحدث لأول مرة بعد العام (2003).
مثلت استقالة عبد المهدي نكسة لقوى الاسلام السياسي، لأنها كشفت حجم الفجوة التي بينها وبين جمهورها على خلفية ادائها المُخيب لجمهورها بجميع المستويات وفداحة خطيئتها التي ارتكبتها طيلة المدة الماضية تحت شعار (ام الولد)!.
في تلك المرحلة صمت صقور الشيعة، فيما تصدرت المشهد القيادة الشيعية الناعمة لتدير الازمة بذكاء، فانحنت للريح لتقدم للمحركات الخارجية رجل يمثلها بامتياز، فكان (مصطفى الكاظمي) رئيس جهاز المخابرات العراقي مرشح القوى الشيعية لرئاسة الحكومة العراقية، لتقدم دليل للقوى الخارجية ان القرار السياسي العراقي، لا يمكن ان يختزل بشخص او مكون مهما كان حجم ارتباطه الخارجي، مالم يقرن بمقبولية وطنية داخلية، فكان الرضا الخارجي بشخص السيد الكاظمي لرئاسة الحكومة خلفاً لعادل عبد المهدي ( اغتيالاً في آن واحد لاحتجاجات تشرين والرأي العام العراقي).
احرج الكاظمي الاطراف التي تبنته، على خلفية سوء الادارة وتخبط السياسات، ومر العراق بـ (صفنه) وتساؤلات حيرت الشارع العراقي، فكان اقرب وصف لها (حكومة المبخوت)!!!.
أوصلت حكومة البخت النظام السياسي العراقي الى مشارف الانهيار، ما يعني تهديد لمصالح المنطقة بأسرها، ما دفع القوى الراعية الرضوخ لأراده العراقيين في بادره تحصل لأول مرة منذ تغيير النظام العراقي عام (2003)، فكان ولادة حكومة السيد ( محمد شياع السوداني) ولادة عراقية خالصة قدمتها قوى (الاطار الشيعي) مدعومة بموافقة المكونين العربي السني والكردي الناتجة عن الشعور بالخطر المشترك.
انطلقت حكومة السوداني بقوة نحو مساحة الفقراء و الاعمار والخدمات ومحاربة الفساد، فحققت في شهورها الستة مالم تحققه الحكومات السالفة على مدى عقدين من الزمن، ونجحت في ترميم العلاقة بين الجمهور والنظام السياسي، لتعيد للنظام السياسي خيوط الثقة التي فقدها بفعل تراكم السياسات الخاطئة.
السؤال الذي يُطرح هل ما تحقق لحكومة السوداني هو جهد شخصي؟ ام هو ارادة سياسية ؟
أعتقد ان الجواب المنطقي هو ارادة سياسية رشيدة قرنت باختيار موفق لرجل المرحلة، لطالما تأخرت بسبب المراهقة السياسية التي ساهمت احتجاجات تشرين بمنحها ( الوقار السياسي).
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *