السيول ثروة وطنية بين الهدر والمخاطر وتعظيم الموارد
السيول ثروة وطنية بين الهدر والمخاطر وتعظيم الموارد
04 Apr
04Apr
توالت تحذيرات الأمم المتحدة بأن العراق سيواجه شحا كبيرا في المياه ، نتيجة التحديات المناخية المتسببة بإنخفاض هطول الأمطار ، وأرتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها ، المؤشرة لدى مراكز الأرصاد والأبحاث المتخصصة بالمناخ ، والأنخفاض الحاد في المياه السطحية الواردة الى العراق ، من دول التشارك المائي لكل من الجارتين تركيا وايران وكلاهما عملت وفق مبدأ السيطرة المطلقة على منابع المياه المتجهة الى الأراضي العراقية ، وجعلت من المياه تجاذبا خلافيا ، بدلا من جعلها محورا لحسن الجوار والتعاون في كافة المجالات المشتركة الأخرى مع العراق . وعلى مدى موسمين تأتي المقاديرالربانية بلطفها ، فكانت الأمطار المتسببة لموجات فيضية من السيول أسهمت بمعالجة الوضع الكارثي الحاصل بالعوز المائي في البلد ، وإن كانت متأخرة على موسم الأستزراع الشتوي الحالي وعودة الحياة في الأهوار، إذ عمدت وزارة الموارد المائية بتوجيه أطلاقات عاجلة لإنعاشها وسط مطالبات من السكان في هذه المناطق بخزنها وإستدامة تلك الاطلاقات صيفا ليؤكد وعي مجتمعات الأهوار بأهمية تخزين الواردات وإطلاقها شيئا فشيئا. قرى نائية أن الكميات التي هطلت بددت المخاوف من الجفاف لدى الناس، وأرجأت هجرة بيئية شاملة ليس لسكان الأهوار فقط ، بل لكافة القرى النائية التي لم تصلها الخدمات البلدية والمعتمدة على الجداول الصغيرة الطينية في الأستخدامات المنزلية ومياه الشرب وإرواء الثروة الحيوانية وان تلك الجداول خضعت مصادر تشغيلها الى المراشنة بل الى نظام التحجير التام الذي قد يمتد عدة أسابيع في حالات الشحة القصوى ، بقطع الفيز الثالث لخطوط الكهرباء الزراعية المشتركة مع المغذيات السكنية وتوقف إسالات الماء الصالح للشرب بجداول زمنية عشوائية مربكة لتقاسم المياه بين المزارعين وأيقضت النزاعات المهددة للسلم الأهلي وبإجراءات لا تخلو من الخروج عن سيطرة الوزارت المعنية بتنفيذ المراشنة وما يرافقها من عمليات ابتزاز وفساد (للبعض) نتيجة التخبط باتخاذ القرارات وغياب القوانين الضابطة لأدارة الموارد المائية في ألأزمات ومجملها تمس حقوق الأنسان في حق الحصول على وسائل العيش الكريم ، والمفارقة أن تأتي السيول في هذا الوقت العصيب لكنها لم تنل الحوكمة بالإدارة االرشيدة التي تتناسب مع الحاجة للمياه. لذلك جرفت البيوت والقرى والمنشئآت وممتلكات الناس بل وغرق حتى مراكز المدن وتلف المزروعات والمراعي الطبيعية وقد تكررت هذه المأساة لعدد من المواسم المطرية للسنوت الماضية ، أمام انظار القوى السياسية الحاكمة في العراق ، وعجز المؤسسات المائية بدرىء المدن من الفيضانات أولا وعدم الاستفادة الكاملة منها في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة اليها ثانيا. و شمول وزارة الموارد المائية بتدخل المحاصصة في توزيع المشاريع بأقل التخصيصات المالية ثالثا ، وقصر ذراع الوزارة في إدارة المنشئات الأروائية الواقعة في حوض الأقليم وقصدية جعل المياه ضمن الأوراق الخلافية للتوافقات السياسية رابعا. على الرغم ان وزارة الموارد المائية جهة إجرائية اتحادية بإعتبار إدارة المياه من الأختصاصات المشتركة للتشغيل حسب المادة 114 الفقرة سابعا من الدستور العراقي لسنة 2005 ، تبعا لطبيعة النظام الهايدروليكي التكاملي للنظم المائية من الشمال الى الجنوب حتى شط العرب فالخليج ، ومن الخطأ الشائع ان يعترض البعض على تمرير كمية محددة من المياه العذبة الى البحر التي تعمل وفق هندسة الموائع بإزاحة اللسان الملحي المتحقق نتيجة للظاهرة الكونية (المد والجزر) . ولا يحتاج القول أن هذه السيول اثبتت لدى العراق واردات مائية كبيرة يجب تعظيمها فهي من المسلمات لخبراء المياه ، وهي دعوة لأصلاح نظام الري بالعراق الذي يعد من أعقد أنظمة الري في العالم ، وقد صممت المشاريع الأروائية على أساس الوفرة المائية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921. إذ بادر العقل العراقي الفني المختص بمناقشة وتفعيل وتنفيذ المقتراحات والأفكار العديدة لا سيما تلك التي اقترحها (وليم ويلكوكس 1852- 1932) . من المشاريع والسدود والنواظم على الرغم من إختلاف الأتجاهات السياسية للحكومات العراقية المتعاقبة ، لاصلاح المنظومة الهايدروليكية الطبيعية منها والمنشأ من الخزانات والسداد والنواظم وقنوات التصريف والتسليك لتمرير الموجات الفيضية ، ولم يكن في حساباتها معالجة مواسم الشحة ، بل تحول العراق في الثلاثين سنة الأخيرة من الشحة الى الندرة . ان الحاجة الى اعمال مشاريع كبرى او على الأقل تنفيذ المقترحة في الدراسة الاستراتيجة التي أعدتها وزارة الموارد المائية 2015- 2035 التي تحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام لعدم تنفيذ أغلب فقراتها التي صممت تحت فرضية توافرالمياه ، وإعلان الحكومة العراقية قبل عدة اشهر للتوجه بانشاء 36 سدا لحصاد المياه ، ومشاريع أخرى مقترحة و متوقفة كاستصلاح أراضي الجزيرة جنوب الموصل ومشروع كوت – بتيرة وسدود بخمة وباكرمان وخيوتة ومنداوة وسد بادوش الوقائي المهم الذي يبعد شبح خطر إنهيار سد الموصل والتخلص التدريجي منه او تقليص الطاقة الخزنية للسد لتلافي هدر الأموال نتيجة عمليات الحقن والمراقبة والقلق المتزايد جراء ذوبان الطبقة الجبسية للسد . إضافة للأعلان عن دعوة الشركات الاجنبية لأعداد تصاميم لسدة تنظيمية على شط العرب طال انتظارها . بنى تحتية إن إكمال البنى التحتية للمشاريع الإروائية المقترحة يحتاج الى تخصيص الأموال اللازمة للتمكن من إعداد شبكة واسعة لحصاد المياه في خارطة التوقع المطري ، ومضاعفة السدود المختصة بحصاد المياه والنواظم التوجيهية وتسليك الواردات المائية لكافة الأودية وتفادي مرورها على مراكز المدن وربط منخفضات تجميع المياه للخزن الاستراتيجي والاستفادة حتى من تجمعات مياه الأسطح والشوارع (المنهولات) المطرية للمدن وإخضاعها ( للفلترة ) وإعادة النظر بتصاميم المدن المستحدثة ومن ثم توصيلها بالخزانات او التصرف بها بما يلائم نوع المنتج الزراعي وجعلها ذات فائدة بدلا من التسبب بكوارث الفيضان وصيانة شبكات الري وإعادة هيكلتها بما يتلائم مع التقنيات الحديثة وشمول حتى الجداول الصغيرة وجعلها مبادرة لأصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة. و نرى الحاجة لتوحيد الجهد الحكومي بدمج وزارتي الزراعة والموارد المائية بوزارة واحدة لتوحيد الجهود وتكامل الخبرات والاستفادة من التجارب العالمية وبميزانية سيادية ، لفك الاشتباك الحاصل بالمهام خاصة في إدارة المياه والعمليات الحقلية كالذي حصل بردم بحيرات الأسماك والدوش ،وتجنب إعداد الخطط المقترحة مكتبيا بينما المزارع العراقي يجازف بالزراعة خارج الخطة لتمكن الزراعة بمتابعة كمية الاطلاقات التي تناسب خطتها المنفذة ، ولدى وزارة الزراعة أقسام تعنى بالروزنامة الزراعية وخبرات هندسية معطلة تجيد الابتكار وقراءة حاجة السوق من تلك المنتجات الحيوانية والنباتية . ان تنامي ازمة الاحتباس الحراري ونقص الواردات المائية الدولية وتلافي الطلب المتزايد على المياه بإزدياد أعداد السكان ورفد الأقتصاد الوطني بريع زراعي دائم ، يتطلب التنمية المستدامة للمياه وتوسعة المساحات المزروعة بمنح جولات تراخيص زراعية لشركات اجنبية. تقوم باستصلاح الأراضي البعيدة عن مصادر المياه السطحية لأستثمار المياه الجوفية وتنفيذ مشاريع إروائية مغلقة بأحدث طرق التكنلوجيا و تقديم الأفضلية للشركات المتخصصة في الزراعة والمكننة والتسويق من جارتي التشارك المائي (تركيا وايران ) على غيرها من شركات عالمية أخرى ، لربط اقتصايات دول المنبع بأوسع تبادل تجاري وتنفيذ البرامج الزراعية الكبرى لكسر فرضية تصدير المياه الافتراضية الى العراق . ان السيول ثروة وطنية انعشت الأهوار وعززت الخزين المائي السطحي وتحقيق الري للمزروعات ورفد الخزين الجوفي والإنبات الطبيعي لكسر موجات الغبار المتوقعة صيفا ومعالجة التصحر. أن المواطن العراقي يتطلع لجعل السيول ثروة وطنية لا يمكن هدرها باي حال من الاحول والتعامل معها كهبة من السماء و نعمة بدلا من ان تكون نقمة .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"