كنا نسمع خلال العهد الماضي عن شجاعة صدام وجاءت صورة مواجهته الاستثنائية للموت شنقا لتؤكد هذه الصفة التي روج لها عراقيون وعرب، على الرغم من وجود صورة معاكسة تماما تتعلق بعملية القاء القبض عليه في ملاذ داخل حفرة. وفي هذه الحالة يثبت العقل الشرقي طبيعته الانتقائية حين يحذف تلقائيا ما يخالف "خياراته النمطية".
وسمعنا بعد ذلك في نفس الاوساط الشرقية، عن شجاعة الرئيس الروسي بوتين وحزمه في مواجهة الغرب. الشجاعة هنا تقاس حصرا بالكازماتية والشعارات والبطش بالضعفاء!
خسر صدام كل معاركه وتهدمت اركان بلده وتورط بوتين في مستنقع اوكرانيا وتراجع اقتصاد روسيا ولكنهما حافظا على صفة الشجاعة في المخيال الشرقي.وفي مقابل ذلك، لم يطلق العالم صفة الشجاعة على قادة دول ديموقراطية حققت انتصارات ومنجزات حقيقية لشعوبها .
لم يقل احد عن الرئيس الاميركي روزفلت الذي حرر اوروبا من النازية في الحرب العالمية الثانية بانه كان شجاعا ، ولم نسمع عن شجاعة الرئيس الاسبق ريغان الذي نجح في تفكيك الاتحاد السوفياتي قبل نهاية القرن الماضي بلا حرب ولا عن بطولة رئيس وزراء بريطانيا تشرشل الذي رفض السلام مع هتلر على الرغم من ضعف بلده امام المانيا وصرح متحديا ( لم اصبح رئيس وزراء بريطانيا كي اقود عملية تفكيكها ).
هل للشجاعة معنى في قيادات الدول ؟الدول الحديثة والمؤسسات تقودها شخصيات باحثة عن "مصالح دولها او مؤسساتها" وليس عن بطولات تؤكد "الانا" القبلية وتقدم كل شيء قربانا لذلك .
الشجاعة في هذا اليوم تعني القدرة على توظيف العقل وكسب الارباح باقل الخسائر.. وضعت مجلة forbes الاقتصادية قائمة ١٢ اصغر مليارديرات العالم (اعمارهم اقل من ٣٠ عام)، ومن بينهم Pedro Franceschi و Henrique Dubugras اللذان تركا دراستهما الجامعية ليس للشقاوة والالتحاق بقائمة الشجعان بل العمل في مجالات جديدة وتقديم قيم مضافة للمجتمعات (البطاقات الاليكترونية في هذه الحالة ) .. تبلغ ثروة كل واحد منهما حوالي مليار ونصف المليار دولار ولم تتجاوز اعمارهما ال ٢٦ عاما !
"الشجاعة"مفردة تغيب في المجتمعات الباحثة عن دور في التنمية والمنخرطة في مسيرة المستقبل وتحضر بكثافة في المجتمعات التي تعيش في الماضي والعواطف وتقاطع العقلانية!
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *