05 Aug
05Aug

في حياتنا اليومية يدخل الاقتصاد والشؤون الاقتصادية في ادق تفاصيل الحياة وصولاً إلى التسوق من صاحب البقالة ، وعلى هذا الاساس، يجب على الأفراد التعرُّف على ما يعنيه مصطلح (التكلفة الغارقة ) والذي هو بتعبير بسيط عملية استمرار الصرف المادي على شيء غير ذي جدوى وتحمُّل تكاليف تصليح هذا الشيء ودعمه مادياً على أمل ان يكون ذي مردود اقتصادي في يومٍ ما ولكن دون جدوى .
من الأمثلة على التكلفة الغارقة عندما يكون لدى الفرد سيارة فيها الكثير من الأعطال ويستمر صاحب هذه السيارة بمواصلة تصليحها على أمل عدم خسارة السيارة والتي تعني خسارة راس المال ، ولو دقق هذا الشخص قليلاً في مقدار المال المصروف كل مرة على تصليح سيارته لتخلَّصَ منها حفاظاً في اقل تقدير على تلك الاموال التي تصرف في سبيل إصلاحها .
وكذلك من الأمثلة المهمة هو صاحب البقالة ، فمع الصباح الباكر يبيع صاحب البقالة الخضروات والفواكه بأسعار معينة مضافا اليها هامش الربح ،لكن مع المساء يقوم ببيع تلك البقالة بسعر التكلفة بدون ربح وفي بعض الاحيان اقل من سعر الكلفة لمعرفته ان بقاء تلك المواد إلى اليوم التالي تعني خسارته المال ويقع في مبدأ ( التكلفة الغارقة ) فيُفضل صاحب البقالة  استعادة راس المال على ان يكون لديه ربح في ما تبقى من البقالة، وهي عملية اقتصادية ذكية يقوم بها صاحب البقالة في كل مكان بغير ان يكون لديه المام في مادة الاقتصاد .
ماذا لدينا في الشرق الأوسط ؟
التحديات اللانهائية في الشرق الأوسط وكذلك قابلية انتاج هذه التحديات وقابلية إدامتها لفترات زمنية طويلة ، جعلت من دول الشرق الأوسط متمرسة  في التكلفة الغارقة وإنتاج مشاريع وخطط لا جدوى منها مادياً او معنوياً وحتى امنياً ،إلا ان الوضع المحتدم في الشرق الأوسط تحتم على هذه الدول القيام بهكذا أشكال من المشاريع والخطط ، فالشرق الأوسط حالياً مليء بالعشرات من القواعد العسكرية لدول لا تنتمي إلى هذه الرقعة من العالم ،الشرق الأوسط فيه جيوب ومضافات للاتجاهات المتطرفة المختلفة المشارب ، الشرق الأوسط يواجه التغير المناخي ، الشرق الأوسط يواجه مشاريع كبرى لتغيير خرائطها ،الشرق الأوسط يواجه تحديات الثقة بين دولها ، وأخيراً وليس آخراً المعضلة الكبرى وهي قضية فلسطين والكيان المحتل ، فجميع ما تم ذكره يُغذّي المشاريع والخطط التي تنتهي بالتكلفة الغارقة للشرق الأوسط .
الكيان المحتل والتكلفة الغارقة .
منذ احداث حرب غزة منذ السابع من تشرين الاول من العام المنصرم و( اسرائيل ) تعمل وفق نظرية التكلفة الغارقة سياسياً واقليميا ودولياً ، بالتالي فان الكيان الغاصب بشخوصه و مؤيديه غارقين في الخسارة المادية والتي تنعكس فعلياً على الواجهة السياسية لهذا الكيان المحتل والذي سوف ينعكس  في النهاية على مدى استقرار هذا الكيان ، ويمكن إجمال التكلفة الغارقة ل (اسرائيل ) وبصورة مختصرة جداً في اتجاهين .
الاتجاه الاول : قيادة الكيان .
ان ما يحصل الآن من قبل (نتنياهو) من حروب وعمليات تصفية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني فقد وضع  نفسه ضمن التكلفة الغارقة للكيان المحتل وذلك لعدة أسباب منها :
1- لا يمكن عملياً استمرار دعم هذه الحروب لمُدَد زمنية اطول فعلى مر التاريخ لا توجد عمليات إبادة جماعية استطاعت القضاء على شعب كامل او على أمة كاملة .
2- الضغط الاقتصادي الهائل الذي يولده (نتنياهو) على ( اسرائيل) بسبب هذه الحروب .
3- انخفاض حجم التأييد الشعبي ل (نتنياهو ) داخل المجتمع (الاسرائيلي).
4- زيادة الحراجة لتلك الأطراف التي تدعم (نتنياهو) .
بالتالي فان استمرار هذا الشخص في ادارته للكيان الغاصب يجعل منه شخصيا ضمن التكلفة الغارقة ، وحيث ان اقطاب الكيان الغاصب هم خبراء في الاقتصاد فإننا سوف نرى قريباً تعالي الأصوات لإقالة هذا الشخص او تغيير منهجيته ، لغرض الخروج من التكلفة الغارقة لقيادة (اسرائيل) .
الاتجاه الثاني اسرائيل ) بصورة عامة.
انَّ فكرة انشاء دولة ( لليهود ) كانت أساساً للتخلص من المشاكل المجتمعية التي كانت تعاني منها دول اوروبا بصورة خاصة نتيجة عدم تقبل تلك المجتمعات للوجود اليهودي بينهم لاسباب تأريخية وعقيدية ( لا مجال للخوض فيه هنا)   وبغض النظر عن الأسباب الموجبة لذلك  ، لكن تنامي الكره والحقد ضمن المجتمعات الأوروبية باتجاه اليهود جعل منهم يفكرون في ايجاد (وطن) لهذه الفئة التي تعاني (الشتات) بين مختلف الدول ، وليأتي المؤتمر الصهيوني الاول سنة 1897 ملبياً لطموح وافكار قيادات أوروبا انذاك اكثر مما يلبي طموح منظمي المؤتمر الصهيوني .إلا ان الذي حصل بعد تجميعهم في فلسطين ان اختلف عن ما كانت تُخطط له القيادات الاوربية،فمع انشاء هذا الكيان المحتل اصبح على عاتق تلك الدول ومضافاً اليها دول اخرى مثل الولايات المتحدة والعديد من الدول الاخرى استمرار دعم هذا الكيان واستمرار التبرير لسلوكياته  بكل الاحوال ، مما جعل من هذا الكيان ان يدخل تحت طائلة التكلفة الغارقة لهذه الدول لعدة أسباب أهمها :
1- الضغط الاقتصادي للدول الداعمة من خلال استمرار الدعم المادي لهذا الكيان .
2- مواجهة هذه  الدول لشعوبها المحتقن نتيجة سلوك ( اسرائيل) واستمرار دعم دولهم لها .
3- استمرار مغامرات  هذا الكيان والذي يجعل من الشرق الأوسط قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اية لحظة .
4- الكـــثير من دول المنطقة أقامت قواعد عسكرية لتلك الدول التي تدعم هذا الكيان بسبب تواجدها العكسري هناك ، مما أنهــــــــت فرضية قوات المطرقة .
مما سبق ذكره فإننا على مشارف بداية تقلص دعم تلك الدول ل (اسرائيل) لغرض إنهاء التكلفة الغارقة لهم حيث تغيرت اسس تاسيس هذا الكيان واستمرار الاستنزاف المادي وعدم وجود فلســـــــــفة العمق  الاســــــــتراتيجي لهذا الكيان بسبب انتشار القواعد العسكرية للدول الداعمة في الشرق الأوسط بصورة مكثفة.
فلن يبقى في جعبة (إسرائيل) غير التعامل في ملف المخاوف المشتركة لها وللدول الداعمة لها ،ويمكن تفكيك هذا الملف بوجود ( إسرائيل ) كطرف مشارك او بغير مشاركتها .
الصورة النهائية
ان الصورة النهائية القريبة لهذا الكيان ستكون كالآتي :
1- الضغط المباشر لغرض إنهاء حرب غزة وعدم الدخول في محاور مشابهة وإيقاف  المغامرات العابرة للحدود.
2- تقلص الدعم من قبل الحلفاء لهذا الكيان.
3- تغيير القيادة في ( اسرائيل).
4- زيادة التأييد والتعاطف الدولي مع قضية فلسطين  .
5- حل الدولتين  في نهاية المطاف .


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة