حلت بردا وسلاما على الطبقة السياسية اللبنانية ارتدادات زلزال "كهرمان مرعش" التي أرغمت الناس على النزول إلى الشارع فجرا، على رغم العواصف والصقيع.
صحيح أن لا خسائر بشرية تسببت بها الارتدادات، اذ اقتصرت الأضرار على انهيار جدار وتشققات في أحد المباني وذعر لأن أعصاب اللبنانيين مهترئة ولا تحتمل أي نوع من الهزات أصلا.
ولكن الصحيح أيضا أن "بروفة الزلزال" هذه منحت المسؤولين فرصة ليصرفوا اهتمام اللبنانيين عن الزلازل الفعلية التي تقضي عليهم. فقد سارع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى عقد اجتماع طارئ لهيئة إدارة الكوارث، وبحث في العمق سبل مواكبة نتائج الارتدادات الزلزالية التي لم تحصل.
ولكن ماذا عن ارتدادات الزلازل والهزات السياسية والاقتصادية المستمرة منذ ثلاثة أعوام ونيف؟ ولماذا لم تستدع من المسؤولين في منظومة الحكم أي إعلان لحالة طوارئ واجتماعات مفتوحة ومتواصلة بغية البحث عن حلول مجدية؟؟
في الأساس، السؤال يتعلق بحقيقة وجود طبقة سياسية تتمتع بروح المسؤولية، وان في حدودها الدنيا، فما جرى ويجري سواء في الأسواق المالية أو في السلك القضائي، يؤكد أن لبنان مشاع للخراب في غياب أي سلطة يمكن أن تتسلح بالقانون لتواجه كل هذه الجرائم المنبثقة من غياب الشرعية بحق المواطنين.
فالبؤس المكدس في تفاصيل الحياة اليومية للبنانيين يجعل الطبيعة أرحم بهم ممن يتولون أمرهم، بالاسم فقط، لأن الولاية الحقيقية التي تدير شؤون مشاع الخراب، هي في مكان آخر، وحتى اليوم، ولها مطلق الحرية في أن تعيث فسادها حيث يحلو لها، لأن ورقتها لم تسقط دوليا على ما يبدو.
بالتالي، لا خارج يمكن أن يحمي اللبنانيين، ولا يلوح في الأفق المسدود بصيص أمل، سواء من الداخل أو الخارج. فلا توافق لبناني لأي من أطراف السلطة يبشر بالخروج من المراوحة والفراغ الرئاسي، ناهيك عن نغمات التقسيم، ولا توجه دولي بتولي العمل عن الداخل لجهة تحريك مستنقعات الفشل، فقد بلَّغت الإدارة الأميركية من يعنيهم الأمر من زوارها اللبنانيين انها تستبعد أي إمكانية للتعويل أو الرهان على تدخل في هذه المرحلة لحل الأزمة اللبنانية. وكان سبقها انتقاد السفير الفرنسي المكلّف بتنسيق الدعم الدولي للبنان، بيار دوكان، قبل أيام "بطء" تنفيذ الإصلاحات الملحة من أجل حصول الحكومة اللبنانية على مساعدة من صندوق النقد الدولي.
ويبقى أن على اللبنانيين أن يشكروا ربهم على ارتدادات زلزال "كهرمان مرعش" التي اكتفت بإرغامهم على النزول إلى الشوارع فجرا، لأن الارتدادات السلبية متوقعة بعد انعقاد الاجتماع الخماسي في باريس، اليوم الاثنين، لبحث أزمة الرئاسة اللبنانية، بمشاركة ممثلين عن السعودية والولايات المتحدة ومصر وقطر، وفي سياق حث النواب اللبنانيين على الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، مع تشديد على "المواصفات" التي يُفترض أن يتمتع بها الرئيس العتيد لطي صفحة التصدُّع الذي أصاب علاقات لبنان بالمجتمع الدولي كشرط لمساعدته للنهوض من أزماته الكارثية.
ومرد التوقع مرتبط بأن مفتاح المشكلة اللبنانية ليس في لبنان، وإن كان يعاني بسببها، ولكن في العلاقات الدولية مع إيران في ظل التعقيدات المستجدة على ملف هذه العلاقات، والمترافقة مع أقصى درجات التجاذب بين الطرفين، بحيث لا يمكن النظر إلى اجتماع باريس الخماسي بشأن لبنان، إلا بسوداوية، لأن طهران ستتشدد، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بكل ما يتعلق بالورقة اللبنانية، لتُحَسِّن ظروف مواجهتها المجتمع الدولي.
وهذا التشدد يجعل الطبيعة أرحم مع اللبنانيين، فزلزالها وارتداداته محدودة، أما زلازل الصراعات الداخلية والدولية فلا حدود للكوارث التي تنتجها.