د.عادل رضا
قال الرئيس الصيني انه من الواجب دوليا الاعتراف الكامل في دولة فلسطين ك “عضو” كامل الاهلية والصلاحية في الأمم المتحدة، وهذا الموقف يختلف ويتعارض مع الموقف الأوروبي والأمريكي وبقية حلفاء النظام الطاغوتي الربوي العالمي في التعامل مع قضية فلسطين المحتلة.
نستطيع ان نربط ذلك مع الالتزام الشعبي العربي وأيضا الشعوب الصينية في رفض الشذوذ الجنسي وموجة نشر اللوطية وهدم الاسرة والغاء دور الأب وخلط الانساب والأعراق والأفكار النيوليبرالية الحديثة الهادمة لكل الأديان السماوية والقيم الشرقية.
بينما الصهاينة و حركتهم الدولية المرتبطة بهم و من ورائهم النظام الطاغوتي الربوي يقومون بالترويج و نشر هذه الانحرافات وذلك السقوط و يفرضونها ضمن موجة عالمية قذرة عفنة في كل الدول التي تكون تحت سيطرتهم و هذه المسألة فيها تناقض و ديالكتيك صيني صهيوني نستطيع نحن العرب الانطلاق منه لصناعة تحالف اكبر قوة و ارتباط مصلحي مستحكم واشد يفيدنا قوميا والتجربة السورية العربية خير مثال حيث دعم القطب الامبراطوري الصيني القادم الدولة السورية في صراعها مع حلف الناتو والصهاينة واتباعهم ومن وظفوهم و استخدموهم اثناء الازمة السورية , حيث لم يكن هناك “غدر” صيني ولا “طعن” في الظهر و لا “تخلى” و لا “استغناء” كما يفعل ذلك الامريكان و الاوربيين مع ما يسمون انفسهم “حلفاء الغرب” الذي يرميهم كالأحذية القديمة المستهلكة بعد ان يستخدمهم.
علينا ان نعرف ان ما بين الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية أكبر مما يتخيله المتصهينين العرب الذين هم ليسوا فقط خونة للعروبة ومتآمرين ضد الاسلام بل هم يعيشون الجهل المعرفي ولا يقدمون قراءة حقيقية للواقع من باب السذاجة الفكرية التي يعيشونها او من باب العمالة المأجورة والوضع الخياني الذي يمارسونه حيث يردحون بما يتم برمجتهم عليه ك “جواسيس” و “خدم” للأجنبي.
ان الاعلام الغربي المملوك صهيونيا يتحرك في الترويج بأن لا فائدة من أي حالة انتقال امبراطورية من قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب !؟ وهناك تقليل وتسخيف متعمد لما تقوم به الصين وكذلك روسيا في العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وهذا الاعلام الغوبلزي الدعائي المملوك صهيونيا يقوم بذلك لصناعة استمرار لحالة عقلية الهزيمة والاستسلام والتي أيضا يقوم المتصهينين العرب الخونة بأعادة تقديم مثل هذا الخطاب الإعلامي الدعائي المزيف لكي يستهلكه السذج والحمقى بدون دراسة وتدقيق واستعمال العقل في معرفة ما وراء اللعبة.
علينا نحن العرب ان نعلم: ان رأس المال والاعلام في الامبراطوريات القادمة للسيطرة مثل الصين وروسيا يتحكم بهما العنصر الوطني هناك، وليسوا من الذين يأخذون اوامرهم وتوجيهاتهم من عصابات الكيان العنصري الصهيوني.
وأيضا نحن لا” نقول ان الصين وروسيا هم حالة ملائكية قادمة لتخدم قضايانا العربية والإسلامية كجمعية خيرية بدون مقابل طلبا للأجر و الثواب !؟ ، ولكن هم لديهم مصالح وأيضا علاقات مع الصهاينة تحكمها الاستفادة وماذا سيترتب عليها من أمور، وهذه علاقة مد وجزر ومرتبطة مع تطورات المنطقة وتقلباتها وأيضا بمن يملك الحصة الأقوى من النفوذ والسيطرة ومن لديه مشروع نهضوي تنموي اداري أعمق وأكبر مرتبط بالصعود الحضاري الفردي والمجتمعي ضمن مؤسسات الدولة، هنا قد يتخلى الروس والصينيين عن علاقاتهم المصلحية مع الصهاينة لصالح المشروع العربي.
اذن ما نريد ان نؤكد عليه ان الحالة الصينية والروسية مختلفة عن الغرب الذي ارتباطه مع الكيان الصهيوني وحركتهم الدولية هو ارتباط ك “تشابك شرايين الدم” وك “الهواء في رئة الانسان” حيث ان المصلحة الانتفاعية ليست هي الوحيدة المرتبطة بالرغبة في استمرار وجود الكيان الصهيوني العنصري في الحياة السرطانية على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.
ان العلاقة التجارية بين روسيا و الصين و ما بين الصهاينة هي علاقة مالية بحتة ليس لها علاقة بالدين او القومية او مختصة ب “الالتزام الفكري الأيديولوجي” اذا صح التعبير و علينا ان نقر و نعترف ان مشكلتنا ك “عرب” اننا لم نقدم مشروع كامل متكامل له ابعاد مصلحية تجعلنا اكثر أهمية و اقوي نفوذا في العالم بل اننا تخلينا عن أي دور الا الاستسلام و القبول في الهزيمة , و النظام العربي الرسمي اصبح غارقا في عبادة الشخصيات او في الهوس في البقاء في السلطة و سرقة موارد الدولة ومعه غرق الشعب العربي في مشاكله المعيشية و احباطه العميق مع ما يشاهده من فقدان مشروع للنهضة و أيضا جزء من الشعب العربي مع هذه المشاكل المعيشية لم يرتقي معرفيا و ثقافيا لحالة من الوعي و البصيرة تخرجه من حالة الاستحمار الذاتي التي يعيشها و التي تجعله لقمة سهلة امام أي اثارات إعلامية او ترويج دعائي موجه و هذا الامر لا نلوم عليه شعبنا العربي فقط لأن تلك المسألة منتوج عدة عوامل ومنها الحكم القومي الطوراني التركي و منها دخول الاستشراق الأوروبي لصناعة حالة استعبادية ترث ما بعد سقوط الدولة العثمانية وجاء بعد الاستعباد الأوروبي انشاء الكيان الصهيوني و الذي اخذ يلعب على مشاكل المجتمع العربي بنجاح من خلال اختراقه لنقاط الضعف و أيضا من خلال سياسة النفس الطويل و لنا في تخطيطه لفصل السودان و صناعة الأرضية لذلك المثال وأيضا تأسيسيه لحرب المياه و السيطرة على الواقع العربي و إركاعه من خلال التعطيش و منها انطلقت مشاريع سدود وادي النيل و أيضا مشارع جنوب شرق الاناضول التي تقوم بها الدولة العنصرية الطورانية التركية حليفة الصهاينة.
وايضا للأسف الشديد ان هناك حالة عربية تم تشكيلها في الوعي الروسي والصيني في إدارات وزارات الخارجية ومراكز التفكير وأيضا في الجامعات ومواقع الدبلوماسية عندهم، نحن نقول ان هناك قناعة لديهم تقول التالي: ان هناك تابعية عربية للحلف الطاغوتي الربوي العالمي وليس هناك استقلال في القرار واتخاذه، وهذا ما يخلق “قلق” لديهم وقناعة ان العرب “ملعب” بدون شخصية استقلالية وليس لديهم شيئا ليقدموهن الا ما يؤمرهم به الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.
ان علينا الاقرار ان خوف ك “هذا” يعيشه الروس والصينيون هو خوف ” “مشروع” ونحن نتفهمه بكل بساطة لأنهم كما ذكرنا يتحركون مصلحيا بما يفيدهم وطنيا وبما يخدم مشاريعهم التنموية الحضارية الخاصة بهم، ونحن العرب عندما فقدنا مشروعنا القومي المستقل فلذلك ضعنا خارج التاريخ، فلم يعد لدينا شيء لنقدمه للعالم من حولنا وأيضا للأقطاب الإمبراطورية القادمة للسيطرة والدخول في وأقع التحكم الدولي وسط تراجع منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.
فلنتحرك في تفصيل المسألة علميا إذا صح التعبير ولنأخذ الفرق بين الارتباطات المختلفة ضمن قراءة ساعية للكشف ولصناعة قناعة تؤكد ما قلناه وسنأخذ الجمهورية الشعبية الصينية ك “مثال” وسنحاول اثبات ان هناك فرق بين الصين والحلف الطبقي الربوي العالمي بما يتعلق بعلاقتهم مع الصهاينة، وهذا ضمن ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول:
هو ان الحركة الصهيونية تتحكم في الاقتصاد في الغرب لذلك هذا التحكم والسيطرة الاقتصادية مرتبطة مع استمرار الضخ المالي والدعم للكيان العنصري السرطاني المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة، لأن رأس المال الغربي واقع تحت السيطرة والتحكم اليهودي، على العكس من “رأس المال الصيني”
المحور الثاني:
هو ان الديانة المسيحية وهي الأكثر انتشارا داخل الولايات المتحدة الامريكية حيث هناك اعتقاد واسع انه ضمن واجبهم الديني هو مساعدة الكيان الصهيوني واستمرار وجوده، وان استمرار وجود العالم مرتبط مع استمرار بقاء هذا الكيان الأمني الإداري العسكري في الحياة على ارض دولة فلسطين المحتلة، لذلك هناك اعتقاد عند هؤلاء الطائفة من اتباع الديانة المسيحية انهم ملزمين “دينيا” بهذا الدعم، اذن ليست المصلحة والمنفعة هي فقط الحاكمة في العلاقة مع الصين.
يعرف الباحث الدكتور يوسف الحسن «المسيحية الصهيونية» في كتابه «البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي» بأنها «مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين مسيحيين، بخاصة بين قيادات وأتباع كنائس بروتستانتية، تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقاً تاريخياً ودينياً لليهود، ودعمها بشكل مباشر وغير مباشر باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة – فلسطين – هي برهان على صدق التوراة، وعلى اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية، وحجر الزاوية في الدعم الشديد لهؤلاء المسيحيين لإسرائيل هو الصلة بين «دولة إسرائيل» المعاصرة وإسرائيل التوراة، لذلك أُطلق على هذه الاتجاهات الصهيونية في الحركة الأصولية اسم الصهيونية المسيحية».
يقول الأب ديفيد نويهاوس اليسوعى في ندوة عقدت في كنيسة السريان الأرثوذكس في العاصمة الأردنية عمان: «المصطلح حديث نسبيًا، لكنه يشير إلى نوع من الفكر المسيحي الذي هو أقدم من الصهيونية، ويمكن أن يوجد خاصة في عدة كنائس غير تقليدية، بالتحديد في المناطق الانجلوساكسونية «أمريكا وبريطانيا» والعالم الأوروبي الشمالي «هولندا وإسكندنافيا»، وانتشرت في القرن التاسع عشر، وبينما تطورت الصهيونية بشكلها العام كأيديولوجية سياسية اجتماعية في الأساس، فإن المسيحية الصهيونية هي أيديولوجية دينية بحتة».
ويذكر الأستاذ مدحت صفوت في دراسة له حول هذا الموضوع التالي:
“تتعدد أسماء ومصطلحات «المسيحية الصهيونية»، منها: الأُصولية اليمينية، والألفية التدبيرية، والإنجيلية المتشددة، ويتبعها كنائس وفرق عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها، أبرزها شهود يهوا، والطائفة البيوريتانية، والحركة المونتانية، ومؤتمر القيادة المسيحية الوطنية من أجل إسرائيل، وفرقة المجيئيين، والسبتيون، والخمسينية، ومؤسسة جبل المعبد، والميثوديست «الميثودية»، جماعة ميجا، فرسان الهيكل «المعبد»، واللوبى اليهودي الصهيوني، والمائدة المستديرة الدينية، والرابطة الأممية لمكافحة العنصرية، والائتلاف الأمريكي للقيم الأخلاقية، والحركة المونتانية التي ترجع إلى الكاهن مونتانوس الذى أعلن عن معمدانيته، مدعيًا أنه صوت الروح القدس، وحصوله تدبيرًا خاصًا، وتنبأ برجوع المسيح إلى الأرض خلال وقت قريب.
وتتعدد أيضا الشخصيات العامة الدينية والسياسية الداعمة أو المتبينة للرؤية المسيحية الصهيونية، في مقدمتهم القس جون مكدونالد، الذى طالما ردد «يا سفراء أمريكا انهضوا، واستعدوا لإسماع بشرى السعادة والخلاص لأبناء شعب منقذكم، الذين يعانون من الظلم، أرسلوا أبناءهم واستخدموا أموالهم في سبيل تحقيق الرسالة الإلهية»، قاصدًا نبوءة النبي يشعياهو، بعودة اليهود!
وتؤمن الشخصيات السياسية الصهيونية في الولايات المتحدة، أنها تساعد الله في مخططاته التوراتية الإنجيلية المقررة سلفاً لنهاية العالم!، كما ينتمى أغلبهم إلى «الطائفة التدبيرية»، التي ترى أن كل شيء من تدبير الله ومقدر سلفًا، وما على الإنسان إلا السعي لتنفيذ هذا المقدور، وأشهر قساوستها جيري فولويل، وجيمي سواجارت، والقس الشهر بات روبرتسون، وجيمي بيكر، وأورال روبرتس، كنيت كوبلاند، وريكس همبرد.
ويعتقد السياسيون الأمريكيون المتصهينون أن المسيح يأخذ بأيدهم، وأنهم يقودون معركة هرمجدون، التي ستقع في منطقة الشرق الأوسط!! ويصرح كثيرون منهم بالسبب الديني لدعم إسرائيل، الأمر الذي سبق أن ردده مثلا الرئيس الأمريكي ليندون جونسون «1963 -1973»، قائلًا أمام جمعية «أبناء العهد»: «إنني مستعد للدفاع عن إسرائيل تماماً كما يدافع جنودنا عن فيتنام. وإن بعضكم، إن لم يكن كلكم، لديكم روابط عميقة بأرض إسرائيل مثلى تمامًا، لأن إيماني المسيحي ينبع منكم، وقصص التوراة منقوشة في ذاكرتي، تماماً مثل قصص الكفاح البطولي ليهود العصر الحديث، من أجل الخلاص من القهر والاضطهاد».
ويرى كثير من الباحثين أن عددًا من رؤساء الولايات المتحدة ينتمون عقائديًا وإيديولوجيًا إلى المسيحية الصهيونية، من بينهم: وودرو ويلسون «1913 – 1921»، وهاري ترومان «1945 – 1953» صاحب جريمة القنبلة النووية، ودوايت أيزنهاور «1953 – 1961»، وليندون جونسون «1963 – 1973»، وريتشارد نيكسون «1969 – 1974»، جيمي كارتر «1977 – 1981»، رونالد ريجان «1981 – 1988»، وعائلة بوش الأب والابن، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي الحالي جون كيري، اليهودي الأصل، الذى كان يعد المكافح الأول عن أمن إسرائيل خلال العشرين عام التي قضاها في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأكد مرارًا أنه لن يتنازل عن حق إسرائيل في العيش الآمن، وكتبت عنه جريدة جيروزلم بوست الصهيونية، أنه يظهر كل المعايير والاستطلاعات دعمًا مطلقًا للكيان. ”
“تختلط المرامي والأهداف التي يسعى إليها «المسيحيون الصهاينة» بين دينية وسياسية، تتمثل الأخيرة في استمرار السياسات الاستعمارية ونهب ثروات الشرق وإبقاء الدول العربية دومًا تحت نيران المشكلات السياسية والعسكرية، واستنزاف طاقاتها في معارك بدلًا من التفرغ لبناء ذاتها، ودينيًا تعمل على تثبيت شرعية الكيان الإسرائيلي على أساس أنه تحقيق للنبوءات التوراتية، ودعم إعادة بناء الهيكل، والتعجيل بعودة المسيح!!
وتتفق الصهيونية مع اليمين الأمريكي في عدد من التقاطعات، منها: «أن كل مسيحي يجب أن يؤمن بالعودة الثانية للمسيح، وأن قيام إسرائيل واحتلال القدس هما إشارتان إلهيتان بقرب العودة الثانية للمسيح، وبناءً على ذلك، فإن جميع أشكال الدعم لإسرائيل ليس أمرًا اختيارًا، وإنما قضاء إلهى لأنه يؤيد ويُسرع قدوم المسيح، وبالتالي فإن كل من يقف ضد إسرائيل يعتبر عدوًا للمسيحية وعدوا لله بالذات».”
المحور الثالث:
هو استمرار الظاهرة البكائية اليهودية على ما يسمونه “مذابح الهولوكوست”، وعلى ” الحلب المستمر المتواصل” لعقدة الذنب الاوربية الامريكية وتقصيرهم مع اليهود ؟! ويذكر الأستاذ حسني محلى بهذا المسألة التالي: “في 27 كانون الثاني/يناير من كلّ عام، يحيي العالم المتعاطف مع اليهود و”دولتهم” العنصرية “إسرائيل”، العنصرية وفق لجنة العفو الدولية في بيانها الذي أصدرته 2 شباط/فبراير 2022، اليوم العالمي لما يُسمى “الهولوكوست”، أي المحرقة النازية ضد اليهود.
كالعادة، وتحت الضغوط النفسية التي يتعرض لها كلّ من ينكر هذه المحرقة أو يشكّك فيها، استغلَّت الصهيونية العالمية هذه المناسبة لكسب المزيد من التأييد السياسي والتضامن العاطفي مع مقولاتها، وبالتالي مشاريعها الاستيطانية في فلسطين، كأنّ الذين “أحرقوا اليهود في غرف الغاز” هم الفلسطينيون، وليسوا الألمان، كما يقولون.
ولو تجاهلنا ما قامت به النازية الهتلرية ضد الغجر والشيوعيين وأصحاب العاهات الجسدية والنفسية، ومواطني بولندا من السلاف أيضاً، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن مليون منهم، فما علينا إلا أن نعترف للصّهيونية العالمية بنجاحها الباهر في قصة المحرقة منذ بدايتها، وهي طرف فيها أساساً، إذ حقّقت من خلال قصّة المحرقة مكاسب مادية وسياسية وأيديولوجية ساعدتها على تحقيق الحلم اليهودي لإقامة “الدولة اليهودية” في “أرض الميعاد” فلسطين، “بعد أن خيّرت يهود أوروبا” بين البقاء في أوطانهم والموت في غرف الغاز النازية أو الهجرة فوراً إلى فلسطين والعيش في نعيم بين أشقائهم اليهود من جميع أنحاء العالم قرب حائط المبكى”.
وهذا ما تؤكده الباحثة لميس اندوني حيث تكتب الاتي:” احتكار الألم كمفهوم عنصري يلتحف بادّعاء إنسانيٍّ مزيف سلوك توظفه كل الأنظمة الاستعمارية والعنصرية، وإلا، كيف يمكن تبرير ارتكاب المجازر ونهب الشعوب؟ لا عجب أنه في صلب تكوين المشروع الصهيوني والممارسات الإسرائيلية، فالمستوطن أحق بالأرض، لأنه يعشق الخضرة، والمستوطن أحقّ بالمياه لأنه يفهم ضرورة الاستحمام ولا بأس من سحب مياه القرى الفلسطينية إلى المستوطنات لإقامة برك السباحة، ولا مساواة في الاحتياجات ولا في الفرح ولا في الألم.
احتكار الألم من أهم أسلحة المشروع الصهيوني وإسرائيل. صحيحٌ أن ردّة الفعل على جريمة المحرقة تستدعي ضمان عدم تكرارها، وهو الشعار الذي جرى رفعه بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المنظمات الصهيونية تبنّته لتبرير كل الجرائم التي ارتُكبت لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولضمان استمرار توسّعها، وأصبح شعارا لضمان صمت العالم.”
اذن هذه الثلاثية من المحاور ليس لها وجود داخل القطب الإمبراطوري الصيني إذا صح التعبير حيث ينظرون لمنطقتنا من باب مصالح تجارية واستفادة مالية وموقع ضمن خطتهم لأعادة رسم طرق التجارة البحرية والبرية للتجارة الدولية والتي منطقتنا جزء أساسي منها، وأيضا هذه الطرق التجارية الجديدة تضرب الخطوط التجارية القديمة المرسومة ضمن المصالح الانجلوساكسونية الاطلسية إذا صح التعبير مع مواقع التحكم والسيطرة البريطانية الامريكية القديمة والتي تم تجديدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
ان الإمبراطورية الصينية تبحث عن “شريك” أفضل لهم ومن يقدم لها عروض خدمية مريحة تلبى مصالحهم وخطط امبراطوريتهم الناهضة للتواجد والوجد في عالم متعدد الأقطاب وهي ليست لديها أي من المحاور الثلاثة الموجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، الذي لا يستطيع الفكاك والهروب من الحركة الصهيونية العالمية او تجاهلها حتى لو كان هناك ضرر مباشر عليهم ك “بلدان ” ودول” و”مجتمعات.
ويؤكد ذلك الباحث توفيق سلام حيث يقول: ” يقدّم نهج الصين الآخذ في التطور لمحة عن الأسلوب الذي تنتهجه لتعزيز مصالحها مع بلدان العالم المختلفة. فهي تعتمد في علاقاتها الخارجية على عدد من الأبعاد المترابطة أهمها: أولاً، إعطاء الأولوية للمصالح الصينية المباشرة والمحددة بدقة وتأمينها، وثانيًا محاولة تسهيل حل النزاعات، وثالثًا السعي لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى.
فالصين تركز على تأمين مصالحها الخاصة، أي الحماية المادية لاستثماراتها، وهي في ذلك تتوقع تعاون شركائها ودعمهم ”للمصالح الأمنية الصينية” وتوظف سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الداخلية المتمثلة في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتقدم العلمي والتكنولوجي وحماية الأمن القومي. وتنظر إلى احتدام الصراع والهيمنة الأمريكية على العالم بالأخطار المهددة لها، التي تقوض مصالحها في ظل سياسة القطب الواحد، في مواجهة المنافسين، من خلال فرض قراراتها على حلفائها بمهاجمة الخصم أو فرض شروط على منتجاته الاقتصادية، أو تقنياته”
“تهتم الصين بمنطقة الخليج بشقيه العربي والإيراني، حيث تستورد ما يقرب من 60 في المائة من إمدادات الطاقة وتحتاج إلى الاطمئنان لحضور ترتيبات أمنية تحول دون تهديد شبكات النفط والغاز الطبيعي ودون تهديد تجارتهما. كما أن اهتمام السياسة الخارجية الصينية بعموم الشرق الأوسط وبالقارة الإفريقية يعود إلى أولوية التبادل التجاري والاستثمارات والمساعدات التنموية بين الصين وبين المنطقتين اللتين فيهما أسواق واسعة، ومواد خام هائلة ونقص بالغ في البنى التحتية الأساسية وشبكات المواصلات والنقل والاتصالات، ولا تحصلان على الكثير من الاستثمارات الغربية.
فالصين لا تنظر إلى في سياستها الخارجية كمجال لفرض انحيازها الأيديولوجية على الآخرين بتصنيفات الصديق والعدو، أو بالربط بين التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات التنموية، وبين الاستجابة إلى شروط سياسية أو اقتصادية بعينها، أو برهن العلاقات الجيدة مع دول إقليم معين بحضور علاقات سلام وتعاون بين تلك الدول وبعضها البعض. وتقدم منطقة الخليج على وجه خاص ومنطقة الشرق الأوسط في العموم أمثلة واضحة على غياب المشروطية عن السياسات الصينية.
فالأولوية الكبرى هي تحفيز النمو الاقتصادي في الداخل من خلال زيادة التبادل التجاري مع جميع دول العالم وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى البنى التحتية في دول الجنوب. ذلك أن الصين صارت الشريك التجاري الأول لجميع دول المنطقتين، وتستورد احتياجاتها من الطاقة من إيران والسعودية وروسيا ودول إفريقية. ولها اتفاقات تعاون استراتيجي وشراكات واسعة مع إيران والسعودية، وكذلك مع إسرائيل وتركيا دون أن تلتفت إلى طبيعة العلاقات بين تلك الدول وبعضها البعض. وسياستها هي أقرب ما تكون إلى ما يشار إليه أحيانًا في أدبيات العلاقات الدولية بسياسة “الخيمة الكبيرة” التي تعني بناء التحالفات وزيادة التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات مع دول الجوار، والدول في المناطق الهامة لمصالحها دون النظر لانحيازات ايديولوجية، أو لاعتبارات سياسية. وفيما يخص الشرق الأوسط، فإن الصين لم تأت إلى المنطقة كقوة غزو واحتلال على عكس ما فعلت القوى الاستعمارية الأوروبية في الماضي البعيد”
ولا يعني ذلك غياب العلاقة بين الكيان الصهيوني والصين؟ فهم تجار و امبراطورية مصلحية فهم من بنوا ميناء حيفا في فلسطين المحتلة و أيضا كما تذكر الباحثة تمارا حداد “الصين واسرائيل العلاقة بينهما قوية بالتحديد في المنحى الاقتصادية وتصدير البضائع الصينية وغيرها لمناطق السلطة الفلسطينية أو ادخالها لغزة كون اسرائيل المسيطر الوحيد على المعابر التجارية ناهيك عن تصديرها لمنطقة الشرق الاوسط، وكما ان الصين غير معنية بتضييق العلاقة مع اسرائيل حيث يتواجد داخل الكيان الصهيوني قواعد استخباراتية لتجميع المعلومات عن منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد منطقة البحر الاحمر وأفريقيا والصين معنية تماماً في تلك المعلومات وبالتحديد أن الصين تملك قواعد عسكرية في البحر الاحمر قبالة الصومال وغيرها الأمر الذي بحاجة لتنسيق أمني وعسكري واقتصادي بين الصين واسرائيل.”
ولكن نحن نقول ان شكل العلاقة مختلف وليس ذوو ارتباط عضوي دموي إذا صح التعبير وليست مصارين وامعاء الصهاينة متداخلة مع مصارين وامعاء الصينين كما هو حاصل مع الغرب.
اذن علينا نحن العرب ان نتحرك ب “مشروعنا العربي النهضوي” الذي يؤمن بالوحدة العربية المبنية على أساس علمي واقعي يرتبط بتعزيز الإدارات و النظام و حكم القانون و أيضا التنسيق العربي المشترك و التضامن بين الدول بما يخدم الأنظمة الرسمية و الشعوب العربية التي تعيش حاليا في هذه الأقطار المنقسمة حسب تفصال مصالح بريطانيا و فرنسا و روسيا القيصرية لما بعد الحرب العالمية الاولي و هذه المصالح حاليا ستختلف و تتعارض مع الأقطاب الدولية القادمة للتحكم في المشهد الدولي , فاذا لم يسبق “عرب سايس بيكو” اذا صح التعبير انفسهم فأن خارطة جديدة مبنية على مصالح الأقطاب الدوليين الجدد ستعيد انشاء دول جديدة و مواقع حكم مستحدثة نفس ما حصل بعد انهيار الدولة العثمانية, فالأفضل ان يستبق النظام الرسمي العربي ذلك قبل ان لا يطبر طيره كما يقول المثل الكويتي الشعبي , لذلك الوحدة العربية هي قدر “مصلحي” و ليست اختيار “عاطفي”.
وضمن هذه الاجواء علينا ان نعيد التذكير في نشاطات مركز دراسات الوحدة العربية المكثفة بقيادة المرحوم الدكتور خير الدين حسيب والذي اجتمعت معه بالعام 2010 ومرة أخرى في العام 2011 وكان ضمن نقاشاتنا هذا الموضوع بالذات وما قام به المركز من نشاطات.
وذكر لي الدكتور خير الدين حسيب انه المركز يعمل على هذه المسالة بشكل مكثف وهنا اجد من المناسب ان اقتبس فقرات مهمة من المشروع النهضوي العربي كما جاء في الكتيب المهم الذي اهداني إياه المرحوم الدكتور خير الدين حسيب لكي اطلع عليه و ابدي ملاحظاتي عليه و النصوص التالية من هذا الكتيب المعنون ب “المشروع النهضوي العربي نداء المستقبل” حيث يذكر الاتي : “عقد المركز هذه الندوة في فاس في عام 2001، وشارك فيها ما يزيد على المئة باحث من التيارات الفكرية كافة، تناولت بحوثُها ومناقشاتُها – على مدار أربعة أيام – القضايا النهضوية الست التي تشكل أهداف المشروع وهي: الوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدُّد الحضاري.“
“وشكَّل المركز، عقب الندوة مباشرة، لجنة صياغة مخطط المشروع ” و “لقد حرص مركز دراسات الوحدة العربية، منذ بداية عمله على هذا المشروع، على مشاركة التيارات الفكرية كافة في إنجازه (من قوميين وإسلاميين ويساريين وليبراليين) حتى يأتي ممثِّلاً لنظرةَ الأطياف الفكرية والسياسية كافة بحسبانه مشروعاً للأمة جمعاء لا لفريقٍ منها دون آخر. ولقد كان الجميع مشاركاً في المراحل كافة: من إعداد المقترحات والتصورات، إلى فرق العمل التي ناقشت المخطط وأقرَّته، إلى الباحثين والمشاركين في ندوة فاس، إلى أعضاء لجنة الصياغة وفريق التحرير. وها هو المركز يطرح “المشروع النهضوي العربي” في صورته النهائية على الأمة، واثقاً من أنه سوف يكون دافعاً قوياً لنضالها من أجل تجسيد أهدافه الستة في الواقع العربي، وناظماً فعّالاً لهذا النضال.”
هذا المشروع المكتوب امر جيد و مجهود مهم يمثل خارطة طريق “ابتدائية” يستطيع النظام الرسمي العربي ان يستخدمها وان يتحرك على الأقل بأي نقطة من النقاط التي اثارها و التي تمثل مساحة مشتركة اتفق عليها مجموعة مهمة من الكتاب و المثقفين العرب من مختلف الاتجاهات و التيارات الذين ادوا ما عليهم من “رسالة الكلمة” اذا صح التعبير , و لكن هي صرخة في الوادي لن تكون الا رسالة منسية في التاريخ ما لم تتحرك في خط التطبيق و الحركة الواقعية في التنفيذ و هذا دور من لديهم مواقع السلطة و الحكم و القرار في النظام الرسمي العربي الذين اذا لم يصحوا من غفلتهم فأن سايس بيكو الجديد القادم مع “تعدد الأقطاب” لن يتركهم نائمين بل سيوقظهم مع ما سيتم تأسيسه من دول و مواقع للحكم جديدة على كل منطقتنا العربية , فالأفضل لهم كما ذكرنا بالأعلى ان يتغدوا قبل ان يتعشى بهم الأقطاب الدولية الجديدة.
ان علينا ك “عرب” ان ننطلق من مواقع قوتنا لكي ننهض و نعيش دورنا الحضاري المطلوب منا في هذا العالم , اما الاستسلام و ثقافة الهزيمة و الانغلاق , فأنها لم تنفعنا بشيء منذ وفاة المرحوم جمال عبد الناصر “الشخص” , و الانقلاب على مشروعه التغييري في الواقع العربي , ان على النظام الرسمي العربي ان يصحى من نومه وغيبوبته قبل ان يتم إخراجه بحكم الواقع من معادلات الحكم و السيطرة و القرار ,و هذا الخروج حتمي مع عالم متعدد الأقطاب القادم لكل العالم لكي يغير ما فيه من قواعد اللعبة , و علي شعبنا العربي ان يغير ما في نفسه لكي يغير المجتمع من حوله و ان يتحرك في صناعة شخصيته العربية القومية من خلال ثقافة قرأنية حركية عاقلة تصنع له شخصيته الثقافية و المعرفية ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ و من القران الكريم يستلهم التجربة و القدوة و النموذج الذي يعطيه الدافع الذاتي لكي يخرج من الاستحمار الشيطاني ليعيش النباهة القرأنية الاصيلة لما تقدمه الآيات من إعادة صناعة الانسان العربي المسلم , و ليس هناك مستحيل ما دام لنا عقل يفكر و جسد ينبض بالحياة و أيضا الرغبة في التغيير و إعادة الساعة الى التوقيت العربي الإسلامي بعيدا عن الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبعيدا عن أي اقطاب دولية أخرى , فليكن لنا مشروعنا العربي المستقل وليكن لنا قرارنا النابع من مصالحنا وعند ذلك فأننا سنكون احرار “مستقلين” في الموقف و أصحاب رأي وقيمة معرفية ننطلق كالسيل الجارف لأعادة صناعة حضارتنا العربية الإسلامية من جديد.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *