تزدحم المارة دخولا وخروجا على المكاتب النيابية في المحافظات مع اقتراب اجراء الانتخابات المحلية المؤمل اجراءها في الثامن من كانون الاول المقبل، اذ يجري داخل هذه المكاتب عقد الصفقات التجارية بين الناخب والمُنتخب، واخذ الضمانات وإعطاء التعهدات بالدعم والتصويت لمرشح حزب ما.
يرى المواطنون الى مكاتب أعضاء مجلس النواب في المحافظات على انها مصادر الحصول على غنائم، فكلما ازدادت اعداد الزيارات، كلما ارتفع سقف المطالب والفوائد الناتجة عن كثرة التردد وتقديم التطمينات بالثبات على الموقف والعمل على حصد المزيد من المؤيدين.
في الأيام التي تسبق الانتخابات تتحول علاقات النواب مع المواطنين الى علاقات طيبة عبر تبادل الزيارات وإقامة الامسيات التوعوية والتعريفية بالبرامج الانتخابية الخاصة بالكتلة، يوازي ذلك بذل المزيد من العطايا والبذخ المستند على المال السياسي.
وفي ذلك يتحقق هدف الكثير من الأشخاص المعتادين على زيارة المكاتب النيابية، وهو الوصول الى المنفعة الاقتصادية الشخصية، مقابل الوعود بحث الأقارب والمعارف على التصويت لصالح الشخص الباذل للأموال العامة من اجل غسل الادمغة والسيطرة على خيارات الناخبين.
والسؤال المعلق في مخيلة الملايين هو بعد عقدين من الزمن وتزايد الوعي الاجتماعي، هل لا يزال يوجد من يصوت وفق هذه المعادلة؟
تصويت الناخبين وفق مبدأ المنفعة المتبادلة هو من أوصل الشخصيات الوصولية الراغبة بالسلطة الى المناصب الحساسة، لكنها لا تفقه شيء بالعمل السياسي، ونتيجة ذلك ظهرت مسألة التوافق ووضع الأشخاص بغير مواضعهم التي لا تتناسب مع مؤهلاتهم الفردية وخبراتهم العملية.
وفي النهاية لم نشهد أي تقدم في عمل المؤسسات الحكومية، بل على العكس هنالك تراجع كبير على المستوى الإداري والمهني، وكثيرا ما يحدث تخبط في المخاطبات الرسمية، وتضارب في المواقف، ما يمثل خللا لعمل المنظومة الحكومية، التي تبين حرصها على خدمة المواطن.
كل هذه النتائج التي ظهرت في السنوات الأخيرة هي نتاج طبيعي للصفقات الاقتصادية التي حصلت في المكاتب النيابية، واصبحت سنة شعبية وعادة جماهيرية، هدفها الوحيد بلوغ المطالب وان كانت بمجملها بسيطة لا ترتقي لتقديم التنازلات المتمثلة بالتصويت والدعم الانتخابي.
الصفقات المعقودة بين المرشح والناخب وان كان ينظر اليها بانها مكسب جماهيري، لكنها في النهاية تُقابل بالوصول الى السلطة والسيطرة على المال العام والتحكم فيه، الى جانب الهيمنة على المناصب الحساسة في الهرم العلوي لإدارة الدولة.
تعبيد الطرق بمادة الاسفلت لا يستحق ان يباع بثمن الصوت الانتخابي، ونصب محولة كهربائية لا يمكن ان يقترن بذلك، فكلها خدمات واجب على الدوائر الخدمية تقديمها للمواطنين ولا تكون بموضع مقايضة معهم في أوقات الانتخابات، وعلى ما يبدو هنالك خطة استراتيجية للوصول الى هذه الحالة.
المواطن المحروم من أدنى الخدمات والحقوق الشخصية، يمكن ان نعذره إذا تردد على مقرات الأحزاب في الفترات القادمة، فهي جزء من الخطط الجماهيرية لنيل الحق بطرق ربما تكون غير مستساغة من الأغلبية السكانية، وفي النهاية هنالك من لا يجد أفضل من هذه الأساليب التي تحمل صبغة اقتصادية.