كفلت الشرائع الإنسانية والدولية الحق في مقاومة الغزو والاحتلال. في القانون الدولي، هذا الحق مكفول بشكل واضح ومحدد، بشرط أن تراعي أساليب المقاومة العرف والقانون الدولي الإنساني، وأن تلبي شروط الدفاع عن النفس وحق الشعوب في تقرير مصيرها. ومع ذلك، في ميزان الشرائع الإنسانية القائمة على فلسفة الحرب ونظرياتها، مثل نظرية "الحرب العادلة"، قد لا تكون المقاومة المشروعة بالقانون الدولي دائمًا عادلة من المنظور الفلسفي السياسي للحرب. هذا هو مصدر الجدل حول مشروعية المقاومة المسلحة الفلسطينية التي تمارسها حركة حماس إلى جانب عدد من الفصائل والميليشيات المسلحة المتحالفة معها. عند بحث شرعية المقاومة المسلحة وعدالتها، يجب النظر في حيثياتها قبل وأثناء وبعد الصراع. يتعين علينا تقييم عدالة أسبابها وأهدافها وغاياتها، والتحقق مما إذا كانت هناك دوافع خفية غير معلنة، ومدى تناسب وسائلها وأساليبها في تحقيق الأهداف المرجوة. حالة المقاومة المسلحة الفلسطينية التي تقوم بها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي تلبي بعض شروط الحرب العادلة من حيث عدالة القضية، ويمكن القول إن البدائل السلمية الممكنة لحل الصراع متعثرة، مما يجعل العودة للكفاح المسلح ملاذ معقول. كما يمكن افتراض حسن النية في حمل السلاح وتجنب الجدل حول حقيقة وجود دوافع خفية. مع ذلك، هناك ثلاثة مبادئ من مبادئ الحرب العادلة لا يبدو أن المقاومة المسلحة التي تمارسها حركة حماس تلبيها:مسألة السلطة الملائمة: يجب أن يؤخذ قرار خوض الكفاح المسلح كاستراتيجية مقاومة من قبل السلطات الشرعية التي تمثل الشعب الفلسطيني في قراراتها ومواقفها. رغم أنه يجادل البعض حول هذا الشرط، بأن حركة حماس تمثل تيارًا فكريًا وسياسيًا واسعًا في الشعب الفلسطيني وتقيم سلطة على قطاع غزة. الفرصة المعقولة للنجاح: يجب أن تكون هناك فرصة حقيقية لتحقيق الانتصار. وفقًا لهذا الشرط، لا ينبغي إعلان الحرب إلا إذا تأكدت السلطة الحاكمة أو العسكرية من تحقيق الأهداف المرجوة، مثل تقويض العدوان أو تحقيق السلام. من الواضح أنه لا توجد فرصة معقولة لأن تنتصر قوات مقاومة ذات تسليح خفيف على جيش الاحتلال المدعوم بشكل سخي من الولايات المتحدة الأميركية. التناسب في الوسائل: يجب أن تكون الوسائل المستخدمة متناسبة مع الأهداف المرجوة. مواجهة طائرات ببنادق مثال يوضح عدم التناسب، عدم التناسب لا يؤدي إلا لزيادة الأحقاد والكراهية والعدوان دون تحقيق الأهداف. البعض قد يجادل بأن الهدف هو استنزاف الاحتلال على المدى الطويل، لكن هذا أيضاً يخالف مبدأ التناسب الذي يحث على ضرورة تقييم الفوائد المتوقعة من استخدام السلاح مقابل الخسائر المتوقعة. في ضوء هذه المبادئ، من الواضح أن عمليات حركة حماس الحربية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تلبِ شروط الحرب العادلة. لذلك، رغم مشروعية المقاومة، فإنها في هذه الحالة لم تكن عادلة، خصوصًا بحق الطرف الفلسطيني. فهذه المبادئ والشروط وُضعت رأفةً بالطرف الضعيف والمظلوم قبل القوي، وبصورة أدق، لحماية المدنيين والأبرياء من توريطهم في حروب تنتهك كرامتهم وتضر سلامتهم، وسلامة ممتلكاتهم، وسلامة فرص بقائهم ووجودهم على أرضهم من دون تحقيق أي شيء ملموس. قد يقول البعض إن المآسي الكبرى تهز الضمير العالمي، مما يؤدي إلى تدخل دولي يفرض العدالة وينهي النزاع. لكن هنا، لا يمكن اعتبار الانتحار سلوكاً عادلًا من أجل قضية مشروعة. مثال على ذلك هو الطيار الأميركي آرون بوشنل الذي أحرق نفسه احتجاجًا على الإبادة التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة. رغم نبل وشجاعة احتجاجه، يبقى فعله غير عادل وغير مشروع بحق نفسه. وهذا يعكس ما تقوم به المقاومة المسلحة الفلسطينية في غزة حالياً، لكن في حالة بوشنل، كان الفعل غير عادل بحق نفسه فقط، وليس بحق شعب كامل لا ذنب له. فمن غير المعقول إجبار الأطفال والشيوخ والنساء على التضحية بأرواحهم وسلامتهم من أجل قضية وإن كانت مشروعة. في هذا السياق، ليس من الوجاهة أن يفتخر أحد بتقديم الدعم لهذا النوع من التضحية. فمثلاً، من الغريب أن تفتخر إيران بأنها البلد الوحيد الذي يمد غزة بالسلاح البسيط، في مواجهة عملية إبادة طاحنة تسحق البشر والحجر في غزة بشكل مرعب وغير مسبوق في التاريخ المعاصر. إيران بهذا السلوك هي تماما كظهور أحد ما ويفتخر بأنه من أمد الطيار الأميركي بوشنل بجالون البنزين ليحرق نفسه من أجل قضية عادلة. من الضروري أن نتفهم ولا نتجاهل حتمية الانفجار ضد الاحتلال بعد سنوات طويلة من الظلم والقهر. ومع ذلك، يبقى الواجب على من يتولى القيادة في النضال الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال أن يتحلى بالحكمة الكافية للحفاظ على الشعب من الفناء والاندثار والخسائر التي لا يمكن تعويضها من دون جدوى حقيقية ملموسة تتناسب مع حجم التضحيات. لذا، فإن ما تمارسه بشكل عام حركة حماس والفصائل المسلحة في غزة، على الرغم من مشروعيته وفقًا للقانون الدولي، إلا أنه غير عادل بحق الشعب الفلسطيني. ومن واجب الشعب الفلسطيني رفض هذا النهج ووضع حد له. المقاومة حق تاريخ للشعوب، ولكن يجب أن تكون مقاومة ذكية وحكيمة تحقق الأهداف بأثمان ملائمة ومحسوبة بدقة.