بين النظاميّن تداخل و أكثر من علاقة ؛ علاقة تعاون وتوظيف و أحياناً علاقة تنافر وتعامل بالاكراه ، وهذه العلاقة ( تعاون) او تلك ( تنافر ) ، وفقاً لنظام ولسياسة الدولة . ولكن قبل توضيح وشرح ما تقّدمْ ، نعرّفُ النظام العام ( Ordre publique) ، و النظام الدولي ( Ordre international) . النظام العام هو مجموعة التشريعات و القيم و الاعراف التي تحكم المجتمع و الفرد و الدولة ،و يختلف بطبيعة الحال من دولة الى أخرى ،و على ضوء النظام العام تُرسمْ سياسة الدولة ومصالحها ، مع الآخذ بعين الاعتبار مُحدّدات وفروض النظام الدولي . أمّا النظام الدولي هو مجموعة التشريعات و المواثيق و القرارات الامميّة ، والدوليّة ( ميثاق الامم المتحدة مثلا) ، و كذلك مواقف وسياسات الدول العظمى ،جميعها تؤلّف النظام الدولي . اذاً مصدرّين للنظام الدولي : مصدر رسمي مُعترف به من قبل جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة ،و عناصر هذا المصدر ،مثلما ذكرنا التشريعات والمواثيق الدولية و الاممّية و التي حَظيّت بموافقة و مصادقة كافة او اغلب الدول ، ومصدر آخر شبّه رسمي وعناصر هذا المصدر هي مواقف وسياسات الدول العظمى ، وهم الاعضاء الدائمين في مجلس الامن ، والذين يمتلكون حق الفيتو وحق تطبيق او عدم تطبيق المصدر الرسمي للنظام الدولي ،يعني ،بعبارة اخرى حق اصدار او منع اصدار قرار اممي بخصوص حدث دولي ما . أصبحَ النظام الدولي ، ومنذ تسعينيات القرن الماضي ، محكوماً ، وبصورة مطلقة و مؤلمة للوعي الانساني و القيم الانسانيّة ، ليس بميثاق الامم المتحدة ، و انما بمواقف ومصالح الدول الخمس العظمى، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية . الامر الذي تركَ اثراً سلبياً كبيراً على النظام العام للدول ،وخاصة دول الجنوب ، وعلى سيادة وسياسة الدول . اصبحت الدول و شعوبها ، وخاصة دول الجنوب او دول العالم الثالث ، امام طريقيّن او مساريّن : إما حماية نظامها العام و سيادتها وسياستها ، و بوسائل الصبر و الصمود وتعزيز القدرات ، و بتضحيات و مواجهة تحديات ، و إما تكييف نظامها العام و المضي مع تيّار النظام الدولي ، ورهن سيادتها وسياستها لمصالح النظام الدولي السائد . أصبحَ النظام الدولي ( Ordre publique ) ,مُنحرف ، وعنواناً للظلم و الاستبداد ،ليس فقط في نظر شعوب و دول العالم الثالث او دول الجنوب ، و انما ايضاً في نظر شعوب الدول ،التي تطّبق و تدعم النظام الدولي الظالم و المُستبدْ , و كشفت جرائم الابادة في غزّة ، والتي نُفّذت بأرادة و دعم اغلب الدول العظمى الراعية للنظام الدولي ، هذه الحقيقة ؛ حقيقة كانت في سُبات في وعي شعوب العالم ، و استيقضت على أنين الاطفال وبريق دماءهم البرئية ،التي سُفِكتْ في غزّة . لم يعُدْ الصراع في منطقتنا ، والذي له صفة العولمة ، صراعاً فلسطينياً اسرائيلياً او صراعاً عربياً ( على الصعيد الشعبي ) اسرائيلياً ، و إنّما صراعاً ، تقوده دول و حركات على مستوى المنطقة ،وشعوب حرّة على مستوى العالم، ضّدَ نظاماً دولياً موبوءاً بالظلم والاستبداد و العنصرية . سبب هذا الانحدار في النظام الدولي هو قيادته من قبل الصهيونية العالمية ،لذلك تظهر عورات هذا النظام ،وبصورة جليّة في قبحها ، في منطقتنا حيث يعشعشُ ” بيت العنكبوت ” اسرائيل . ، نواة و اداة الصهيونية . و ما هو برهان و حُجّة على قولنا ، الحروب التي شهدتها منطقتنا ،و الحصار و العقوبات وكل ممارسات خرق القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة التي واجهتها شعوب و دول المنطقة . امتدّت تداعيات خراب و أستبداد النظام الدولي إلى سيادة و سياسات الدول ،وخاصة دول المنطقة ،التي واجهته و تواجّه ،و ترفض الانصياع لارادة دولية تتعارض مع النظام العام لتلك الدول المواجه ،وسيادتها و سياساتها . و لتعزيز هذه المواجه ، تأسّست منظمات و حركات ذات طابع اقتصادي ( منظمة شنغهاي مثلاً ) ، وسياسي و عسكري ( حركة الحوثيين ، والحشد الشعبي مثلا ) ، و محاور ،كمحور المقاومة في المنطقة ،والذي له بعداً سياسياً وعسكرياً و دبلوماسياً ، يتجاوز حدود المنطقة ،ويحتمي برعاية سياسية دوليه ،و دول عظمى كروسيا و الصين .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"