تعيش الأجيال الجديدة حالة من الازدواجية بين ما تطرحه وسائل الاتصال الحديثة من أفكار ومفاهيم حداثوية، وما تريده التقاليد من ترسخ البنى التقليدية بقوالبها المحلية، في زمن يتطلب العبور إلى مرحلة التحديث المعرفي، الذي يقدم لنا إنسانا منتجا، له قراءته المعاصرة للحياة، وقد أدى ذلك إلى تعطيل حركة التطور الحضاري وتجميد مشاريع نهضوية في عصر لا يقبل التعطيل، إنما يحتاج إلى إنسان يقرأ ويطلع إلى صيرورة الحياة المعصرة، ومسك خيوطها العديدة لتقديم تصور جديد يعبر عن صيرورة الحياة المعاصرة، واذا كانت مقولة الحضارة تأتي بمحاسنها ومساوئها، فإن بناء نظم تربوية تتفاعل وتتعامل مع الانماط الثقافية المؤمنة بالانسان المنتج كفيلة في تقديم نموذج ثقافي عراقي، مستندا إلى أسس الاخلاق الضارب في جذر الحضارة العراقية، تلك الحضارة التي مرت خلال التاريخ بمحطات حضارية مميزة ورافدة الانسانية بمنجزات ثقافية، ولكي يكون الامر كذلك، فإن بناء نظم تربوية رصينة، تبدأ من المراحل الاولى للتعليم إلى أعلى مراحله ومتفاعلة القيم الاخلاقية العامة في المجتمع، تكون قادرة على نفض عنه غبار البنى التقليدية المقيدة لحركة الانسان من جهة، قادرة على مسك زمام المبادرة في التعامل مع ثقافة العصر، مترجمة انتماء الانسان الوطني لحضارته وقيمه الاخلاقية، أو في سياق آخر، قادرة على التفاعل مع ما يطرحه العصر الحديث من الوان معرفية عملية تتصل بشكل صميمي بحاجات الانسان الاساسية مع بلورة طرق ومناهج بناءة وفاعلة، تحسب جدوى التعليم ومخرجاته التربوية والاخلاقية بما ينفع الانسان ويخرجه إلى الدائرة المعرفية التقليدية التي لم تعد صالحة مع متطلبات التفاعل مع الثورة المعرفية وتكنولوجيا المعلومات اللتين تتطلبان بنية عقية تتقبل المعرفة العلمية التطبيقة القادرة على حل الانسان المقهور، لنقله إلى مرحلة من الانتاج وتكوين اقتصاد قوي، يتناغم مع التطور الحضاري في عالمنا المعاصر، لذا فإن الاشكالية التي تحكم عملية التحول هذا تكمن في ضعف ميدان التربية والتعليم بشكل عطل عملية التحول، على الرغم من امتلاك العراق القدرات الاقتصادية والثروات الطبيعية الهائلة وامتلاك القدرات العقلية العلمية بسبب عدم توظيف تلك القدرات البشرية في مواقعها المناسبة لادارة الامكنيات الاقتصادية والطبيعية بما ينسجم مع تطلعات الانسان المعاصر، لذا فإن الالتفات إلى التخطيط التنموي داخل البلاد والاعتماد على الخبرات العالمية المتقدمة حضاريا، هو السبيل الاكيد لبناء نموذج تنموي محلي، بعيدا عن الانشغالات الخارجية المتضاربة في مصالحها المتقاطعة، فبناء القدرات المحلية الوطنية العراقية هي الكفيلة بالخروج من دائرة الصراع بين نظم تربوية تقليدية ونظم حداثوية، ليثبت من لديه القدرة على الانجاز موقعه في الميدان، محققا مكانة اعتبارية أخلاقية ومعرفة علمية بجانبيها النظري والتطبيقي، فبناء القدرات الوطنية في مجالاتها المختلفة، هو الكفيل ببناء التنمية الذاتية التي ستقود حتما إلى دولة الرفاهية، بعد نفض عن انفسنا التقاليد والتصورات الكلية والانتقال إلى التصورات النظرية، التي تضع بناء الانسان العراقي في اعلى أولوياتها بنظم تربوية مجتمعية هدفها الاساسي بناء الانسان الجيد، الانسان المتكامل تربويا، وانتاجيا، وفكريا وممارسةً، بعيدا عن الهويات المتضادة، ليكون بديلا عنها التنوع الثقافي المتنافس في عملية التطور الحضاري، والمتفاعل مع ثقافة العصر القائمة على حقائق ومعطيات تتعامل على الحياة، على وفق المنهج العلمي القائم على التجربة والحقائق الملموسة، وليس على التصورات التجريدة التي لا طائل وراءها، لذا فإن النظم التربوية بحاجة ملحة للتحديث على أساس المنهج العلمي وليس على اساس الجدل الافلاطوني، الذي لا يفضي الا إلى مزيد من التأخر، بينما العالم يتطور عمرانيا وثقافيا واقتصاديا، وهو يعتمد على نظم تربوية تترجم اللحظة التاريخية التي تمر بها مجتمعاته، وهذا يتطلب من مركز القرار تبني ستراتجية متكاملة لتحقيق ذلك، فالاصل هو اشباع حاجات الانسان وتهذيب قيمه الانسانسة والاخلاقية وصون كرامته كانسان عراقي أولا واخيرا.