هذا المقال الثالث الذي أكتبه خلال الأسابيع الأخيرة، ولا أعرف ان كنت سأستطيع نشره بعد الانتهاء منه كسابقيه. كان المقال الأول بعنوان ما الذي تريده إسرائيل، وبدا وكأنني أتفهم الحال الإسرائيلي بدلا من انتقاده. المقال الثاني كان بعنوان الانتصار على أنقاض الشعب، وبدا وكأنني طابور خامسا لا يفهم بالحروب ولا يريد الفرحة بالانتصار. في بداية هذه الحرب كنت كتبت مقالا تجرأت على نشره وقد حمل دعوة لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق الرهائن المدنيين، ودعوت الى ما دعا اليه الدكتور سلام فياض في مقاله الى توحيد الصف الفلسطيني من خلال منظمة التحرير التي يستطيع من خلالها الرئيس الفلسطيني الممثل لثالوث التحكم بالقيادة الفلسطينية ان ينهي مسيرته بفعل حميد. ولكن ردود الفعل كانت بين سوء فهم وتمييز بين ماهية منظمة التحرير والسلطة، وبين الرهائن كقوة بلا تمييز بين المدني والعسكري. اليوم، بعد انقضاء خمسين يوم من الدمار وهدنة انتهى أجلها، بعيدا عن الإغراق في الجدل بشأن حسابات الانتصار او الهزيمة، حان الوقت للتركيز على السؤال المهم المتمثل في كيفية الخروج من هوة القتل والتدمير الى غد أكثر رأفة بشعبنا او حتى ما يمكن ان يتجاوز ذلك من إمكانية تحقيق تطلعاته وطموحاته. بالتأكيد، اننا وبعد شهرين نستطيع القول مرة أخرى، ان حماس حصدت المكسب الأكبر من الناحية السياسية. فما من شك ان رصيد حماس الشعبي فاق توقعات حتى حماس ومن بات يؤيدها. ولربما تعرف إسرائيل جيدا الآن ان المزيد من البطش لا ينتج عملاء وخنوعا بقدر ما ينتج مقاومة وإصرارا. أمريكا نزلت عن الشجرة وتركت إسرائيل معلقة عليها. فلسان الحال الأمريكي لا حل الا بحل فلسطيني داخلي، بينما تستمر إسرائيل بالتلويح المعلن بالتخلص من حماس يتحقق بالقتل والدمار المستمر طالما سنحت لهم الفرصة. قد يبدو المشهد من الخارج الإسرائيلي ان إسرائيل لا تحقق الا الدمار والقتل، فلا اجتثاث لحماس قد تحقق. ولكن الحقيقة والهدف بالنسبة لإسرائيل يتحقق بقتل أي فلسطيني وتدمير كل ما يمكن تدميره نفسيا وماديا. ولكن في نهاية المطاف لا بد من حل سياسي. ما الحل الممكن؟ لا حل بدون حماس، ولا حل بوجود حماس. لا يوجد من هو عاقل او مجنون يستطيع ان يقبل بحمل غزة على دبابة إسرائيلية. هل هناك حل أممي ممكن؟ او حل عربي يمكن تخيله؟ مهما حاولنا من وضع سيناريوهات تتناثر فرص تخيلها كلما فكرنا بها أكثر. الحل لا يمكن بدون وحدة حال فلسطينية. سيناريو لا يستطيع حتى الفلسطينيون تخيله الان. وكأننا ادمننا على الحال القائم. ولكن إذا ما كان هناك حل وحيد بغض النظر عن نوايا كل الأطراف، فهذا الحل لن يكون بدون حل فلسطيني شامل. والحل الفلسطيني لا يكمن في غزة لحماس والضفة لفتح. الحل لا يمكن بدون وحدة حال فلسطينية تتخلى فيها الفصائل عن عصبيتها للفصيل لتصير الحل للوطن. ولا اعرف كم ما أقوله ممكن ولقد رأينا وسط تهليلات وتكبيرات الافراج عن الاسرى اعلام صفراء وخضراء ولقد ظهر العلم الفلسطيني على استحياء. لا حل بدون وحدة فلسطينية جامعة. لا يمكن ان يبقى الشعب الفلسطيني رهينة لفصيلين. ولا يمكن ان نفكر بحل لا يشمل كل الفصائل الفلسطينية. فسياسة الفصل والاقصاء لن تزيدنا الا ضعفا ودمارا. قد تكون الكرة في ملعب حماس اليوم لتبادر بدعوة او اعلان استعدادها للانضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية دون شروط مسبقة منها او عليها من خلال اعلان مباشر للشعب الفلسطيني وليس من خلال اتصالات او جلسات فردية مع افراد يبحثون عن دور لهم او قطعة من الكعكة حين توفرها. القول ان المشكلة بشخص ابي مازن قول هزيل، لأن رحيل أبو مازن لن يغير من الامر الا تغيير فرد مكان اخر وبعض الترتيبات المتعلقة بالشأن الداخلي الفتحاوي. نعم، يتحمل أبو مازن الكثير من المسؤولية بما حل علينا ولا يزال من مصاب، ولكن قوة أبو مازن تكمن في غياب نية القوة المقابلة له بحماس من تغيير الوضع لما هو جامع لا استحواذي او اقصائي. لا يبدو ان أحدا تعلم اننا لن تقوم لنا قائمة ما دمنا على هذا النحو من الانقسام وانعدام افقنا لحل الا بالإقصاء.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"