في جميع المجتمعات، ومنها وعلى وجه الخصوص مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية، هناك من موضوعات الأدب أو الفن مما تثير المشاكل في طرحها المباشر أو غير المباشر حتى عندما تكون بصورة ايحاءات وباسلوب الرمزية. كما أنها تتحاشى، في الغالب، تحديد موقف محدد من تلك المشكلات ومعالجاتها لتجنب “وجع الرأس”!
وفي هذا الإطار تلعب الأفلام ذات العلاقة بالقضايا الدينية أو ما يخص منها بقيم الشرف، وأريد بها تلك ذات العلاقة بالحياة الجنسية والمواقف مما هو شائع من قضايا الحلال والحرام، وردود الفعل المتمردة على العادات والتقاليد، وكذلك القضايا السياسية ذات العلاقة بأمن الأنظمة على وجه الخصوص.
وبهذا الشأن لابد من الإشارة كذلك الى تعمد صناع الأدب والسينما إلى تناول تلك الموضوعات لدوافع متعددة، منها الرغبة الصادقة في تسليط الضوء على ما يقبع في الظل أو الظلام من أحلام وآلام الإنسان، ما ظهر منها وما بطن!، ومنها سعياً الى التميز والشهرة لدى البعض خصوصاً الشباب منهم، وربما الدعم من هذه الجهة أو تلك، لا سيما الأجنبية منها.
وقبل الخوض تحديداً في هذه الاشكالية أشير كذلك، إلى أن أفلام “المشاكسة” ليست خاصة بمهرجان دون سواه. فجميع المهرجانات تضم مثل هذه الأفلام وهو ما يكسبها اثارة مضافة.
أعود إلى أصل الحكاية حكاية المشاكسة بين التنوير والتهييج، ممهداً لذلك ببعض الملاحظات السريعة:
-الابداع الأدبي أو الفني، ومنهما السينمائي، لا يقوم إلا على تمرد على المألوف أو المتداول من قضايا تخص حياة الإنسان في حلمه وألمه.
-تتداخل الأجيال البشرية ليست عمرياً فقط وإنما فكرياً ومزاجياً!
-لكل مجتمع إداراته ومؤسساته السياسية وًالثقافية والاجتماعية المتفاعلة مع بعضها في اتجاهات تسعى الى احتواء الأعمال الادبية والفنية والسيطرة عليها في توجيهها وفق سياسة المد والجزر.
- لقد قاد تطور تقنيات الاتصال والتواصل الى كسر الأسوار وعدم التمكن من السيطرة التقليدية على عقول وعواطف وأذواق الناس.
-كما ان تطور قنوات ومنصات التواصل والتفاعل في ما يخص حقوق الإنسان وحرياته واحتياجاته ورغباته قد قاد الى انتاج عولمة ثقافية يصعب على الثقافات المحلية تجاهلها أو الوقوف في وجهها.
-ان هجرة أو تهجير ابناء وطن ما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو سبيل لا يصح تعميمه في مواجهة اختناقات تضارب الثقافات.
لنمتلك من الوعي والجرأة، حين نتحدث عن الفيلم الأردني: إن شاء الله ولد، فنقول: إن الفيلم يتحدث عن اشكاليات اجتماعية وحياتية تتعلق بضوابط دينية واجتماعية طبعت مجتمعاتنا الشرقية المسلمة، من خلال قوانين الارث والضمان الاجتماعي وقيم الذكورية المجتمعية وظروف الكبت والحرمان في اشباع حاجات أساسية، وتحديداً الجنسية فيها.
يصعب علينا امتلاك الشجاعة للحديث عن انفصامات في مجتمعاتنا، بين دساتيرنا ومعتقداتنا الروحية والتزاماتنا الاجتماعية، من جهة، وبين امكاناتنا في خلق ظروف حياة لا تتقاطع مع متطلبات تلك التشريعات والأعراف من جهة أخرى.
إن الأفلام التي أسميتها بأفلام المشاكسة، تدعونا الى أن نكون جادين صادقين واعين شجعان لمناقشة ما يصح في طرحه. إن موقفنا السلبي سوف لن يزيد فينا غير الازدواجية والنفاقية!
وفي النهاية: سنقرر نحن المحكمين أو الناقدين السينمائيين أو المشاهدين اذا ما كانت أفلام المشاكسة هي أعمال تقود الى تنوير أو تهييج!!
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"