30 Apr
30Apr

انعكس تمدد النفوذ الايراني وتحكمه بشؤون العراق في بلورة موقف شعبي رافض تجلى بوضوح خلال انتفاضة تشرين وشعاراتها، رغم استخدام آلة القتل الهمجية ضد متظاهرين سلميين في أبشع جريمة سياسية يرتكبها النظام العراقي بعد 2003، ما جعل وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف يستهل زيارته الحالية لبغداد بشعار عدم التدخل بالشأن الداخلي للعراق، لكن الصور والمعلومات المنتشرة اعلاميا عن اجتماعه بقادة الاحزاب الشيعية والسنية وكذلك بالرئاسات الثلاثة، تؤكد أن الزيارة تخرج عن إطارها الدبلوماسي وتبادل المصالح ، الى دور سياسي مركزي ونافذ يوسع نطاق الحضور الايراني متمثلا بوزارة الخارجية، مع الإبقاء على دور الحرس الثوري الايراني المهيمن على المشهد العراقي منذ الانسحاب الامريكي في 2011 .


خطوة جاءت بعد الاخبار المتسربة عن اجتماع امريكي _ ايراني مباشر جرى في بغداد بوساطة عراقية في الايام الماضية وصفه بعض المراقبين بأنه أكثر ايجابية من مفاوضات فيينا، ومن المؤكد أن إيقاف نشاط الاذرع الايرانية العاملة بالعراق ضد المصالح الامريكية كان أحد شروط الطرف الامريكي في رفع العقوبات الامريكية أو تخفيفها عن ايران، مما يدفع الأخيرة الى نقل الدور من الساحة العسكرية الى الساحة السياسية تحت غطاء العلاقات الدبلوماسية .ترتيبات لم نستمع فيها لطرف سياسي عراقي يتحدث عن مصلحة العراق وتعويضه عن خسائره من صراع الطرفين الامريكي _ الايراني في واقع عراقي شديد التأزم والمعاناة والهشاشة الداخلية والخارجية جراء تحويله الى ساحة تنافس وصراع ايراني _امريكي، وتمحور الفرقاء السياسيين العراقيين حول طرفي النزاع وتمييع الموقف الوطني .


لقد ادرك العراقيون وتحت ضغط الأزمات المتفاقمة مثل أزمة البطالة والصحج والكهرباء والغلاء، عدم قدرة النظام السياسي على اصلاح منهجه بعد أن استثمره الفاسدون استثمارا تاما ، ولايستجيب إلا بضغوط تبلغ درجة المطالبة بإسقاط النظام، وهنا لاتستطيع ايران أن تقدم الحلول لأزمة النظام العراقي لأنها تعاني أزمات مماثلة إن لم تكن أكثر إيلاما، الأمر الذي دفع ايران الى التعجيل بترميم تصدعات الجبهات العراقية الداخلية من خلال توحيد الصف الشيعي، وتصفية الخلافات بين الاطراف السنية، في مسعى حثيث للحفاظ على تماسك النظام وعدم خروجه عن السيطرة .


جديد المشهد العراقي ربما يتنافر مع اللحظة السياسية للوزير الايراني لأنها مازالت تعتمد على ذات الشخصيات والهياكل السياسية الشيعية التي أثبتت فشلها بفصول رواية مأساوية عمرها ١٨ عاما ، وفي المسرح تبرز شخصيات بادوار ماعادت تضبط حركتها على الايقاع الايراني فقد أصبحت تبحث عن موقفها المتفرد بعد تمكنها من تحقيق قدرات مالية وسياسية وتسليحية فاعلة، وتحظى بتمثيل برلماني وحكومي ونفوذ يتصاعد بالترافق مع ضعف الحكومة، كما أعلنت بعض الاحزاب والتيارات قراراتها الطموحة في بلوغ مرتبة السلطة والتحكم في شؤون الدولة العراقية دون وصاية من أحد ، والتنافس على أشده بين اطراف شيعية متقاطعة والأمر يتكرر بين اطراف سنية أيضا ، مايجعل الوضع ينذر بصدام داخلي لاتستطيع كبح جماحه المساعي الايرانية .تقاطعها مع الحراك الشعبي والسياسي وقوانين تطوره الوجودية والذاتية، ومواجهته بالقمع والإبادة واتهامه بالكفر والجحود، تشكل أحدى ثوابت السياسية الايرانية خصوصا في الدول التي تتمدد فيها على بساط المذهب، مايضعها بتصادم مستمر مع القوى الشعبية والسياسية لتلك الدول .


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة