وفق تعريف "معجم المعاني" مفهوم الصفعة، هي الضربة على الخدّ بكفّ يدٍ مبسوطةٍ، ويمكن الإضافة على هذا التعريف بأن الصفعة بين اثنين (الصافع والمصفوع) فعل اعتداء فظّ يرتكبه في العادة شخصٌ انفعاليٌّ غليظ القلب، لديه فائضٌ من الجبروت والنزعة العدوانية، وفوق ذلك يتمتع بسلطةٍ ما، أبوية أو إدارية أو غير ذلك، تمكّنه من تسديد لكمته من دون تحسّب لردّة فعل أو مساءلة، ينزل بها على وجه شخصٍ آخر لا حول له، مغلوبٍ على أمره، ضعيف المنزلة الاجتماعية، وتقع هذه الفعلة المهينة ليس جرّاء حالة غضب مفاجئة تخرج السيد المستبدّ المطاع عن طوْره فقط، وإنما أيضاً تحدُث بفعل حسٍّ بالتفوق والاستعلاء، ناهيك بالرغبة الجامحة في إذلال الخصم وتحقيره علنا.قد تحدُث الصفعة الشخصية على خلفية نزاع مصلحي بين شريكين، سواء أكانا لصّين أم تاجرين أم غيرهما، وقد تقع أيضاً بين مسؤول في مخفر شرطة ومواطن ارتكب جنحةً ما، على نحو ما هو دارج في دول العالم الثالث، إلا أن مثل هذه الصفعات، ذات الخلفية الشخصية والسلطوية، ليست محلّ اهتمام هذه المطالعة التي أملتها ثلاث صفعات من طبيعة سياسية، متزامنة ومتفرّقة، تخصّ ثلاث شخصيات عامة رفيعة المسؤولية، بعضها في سدّة الحكم أو على مقربةٍ من الصولجان، حيث تلقّى كل منها، على حدة، في غضون الأيام القليلة الماضية، صفعةً سياسيةً مدويةً ملأت الفضاء الدولي بالتعقيبات والمساجلات التي لم تنته بعد، ناهيك بالتداعيات المفتوحة على كل الاحتمالات.أول المصفوعين الثلاثة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أصدرت محكمة الجنايات الدولية بحقّه مذكّرة توقيف ملزمة لكل الدول الموقعة على ميثاق روما، وعددها 123 دولة، أهمها دول الاتحاد الأوروبي، على خلفية اتهام سيد الكرملين بالمسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب ارتكبتها قوات بلاده أثناء الحرب الدائرة في أوكرانيا، الأمر الذي شكّل سابقةً في تاريخ هذه المحكمة التي لا ترى إلا بعينٍ واحدة. ومع أن المذكرة هذه غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، كونها صادرة ضد رئيس دولة نووية كبرى في حالة حربٍ بالوكالة مع التحالف الغربي، إلا أنها شكلت صفعة سياسية شديدة الوقع، إن لم نقل ضربة أخلاقية ومعنوية لرئيس دولةٍ يريد تغيير النظام الدولي بقضّه وقضيضه.ثاني المصفوعين من حيث الأهمية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، المقرّر أن يمثل اليوم (الثلاثاء) أمام المدّعي العام في نيويورك، بتهمة ارتكاب 34 جنحة وجناية، أهمها شراء صمت عاهرة دفع لها الرجل البرتقالي أموالاً طائلة من تبرّعات مريديه، خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016. وهذه الصفعة المدوية أيضاً سابقةٌ في تاريخ الولايات المتحدة، يُجرّ فيها رئيسٌ سابقٌ إلى ساحة القضاء، يتم تبصيمه وتصويره، وقد يقف مكبّل اليدين تحت قوس العدالة للاستماع إلى لائحة الدعوى وأخذ أقواله، وفق الأصول المرعية، أمام هيئة المحلفين الكبار، الأمر الذي شكّل بدوره صفعة سياسية تردّد رجعها في كل أنحاء العالم المتشوّق (عدا صديقيه العزيزين بوتين ونتنياهو) لرؤية ترامب مخفوراً وسط شرطيين اثنين، في طريقه إلى السجن.ثالث الثلاثة المصفوعين اسمه بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الفاشية في دولة الاحتلال، والصافع هنا هو الرئيس الأميركي جو بايدن، فيما تمثلت الصفعة في لطمتين متتاليتين. أولاهما المطالبة العلنية بالتراجع عن الانقلاب القضائي الجاري فصولاً على أيدي قادة الصهيونية الدينية وحلفائهم من الحريديم، وهذا في حد ذاته ينطوي على تحقيرٍ غير معهود. وثانيتهما تمثلت في إعلان إدارة بايدن أنها لن تستقبل نتنياهو في البيت الأبيض في المدى المنظور على الأقل، على غير ما جرى عليه العرف السائد بين الحليفين، الأمر الذي أثار حفيظة اليمين المتطرّف وقطعان المستوطنين الذين خرجوا إلى شوارع تل أبيب في مظاهرة حاشدة ترفع اليافطات المهينة للرئيس الأميركي، وتهتف ضد الصهيوني الأميركي الكبير، بحسب تعريفه نفسه، فبدا هؤلاء المجانين كمن راح يعضّ اليد التي أحسنت إليه إحساناً لا نظير له.في التعقيب على التباينات الراهنة بين واشنطن وتل أبيب، ينبغي القول إن الساذج وحده من يعتقد أن مثل هذه الخلافات العابرة في زمن عابر قد تزعزع أركان الحلف الاستراتيجي الراسخ بين دولتين قامتا على مفهوم الاستيطان ذاته، أو أن هذا التلاسن يمكن البناء عليه.