ما أسخف عقولنا البسيطة عندما نظن أن الفاسدين سيخافون ولو قليلاً من العقاب في بلد أضحى قِبلة للفساد، أصبح من العبث والهُراء منازلة الفاسدين لأنهم السياسة، حتى إن السياسة في خدمتهم.
دائماً نسمع عن محاربة الفساد فأين هم الجنود وأين هي أرض المعركة؟.
في الوطن أصبح الفاسد في المراتب العليا، فصار لنا شعار يقول “فلتُصلب النزاهة على جِذع الشجرة إذا كان النظام غافلاً”.
عندما نبحث في جمهورية الفساد لا نجد فاسدا واحداً ربما لأنهم أشباح ووجوه غير مرئية، المصيبة أن أسوء ما يهوي به النظام السياسي أنه يُكلّف الفاشلين بإدارة دفته، والطائفيين بمحاربة الطائفية، والفاسدين لمحاربة الفساد وتلك هي نكتة السياسة التي تُضحك الجمهور.
العراقيون لديهم يقين بأن التجهيل واللامبالاة وحتى النسيان التي تعتري العقول هو ما يراهن عليه هؤلاء في فنون السلطة.
نعرف الفاسدين بالأسماء والأفعال حتى إن أصابعنا وبشكل لا إرادي تُشير إليهم، ومع ذلك نرفع لهم القبعات ونسير في مواكبهم السياسية ونتغنّى بِشعاراتهم الجوفاء ونمضي في حشودهم، طامعين في أن نكون من حاشيتهم ونُوهِم أنفسنا أننا لانستطيع أن نواجههم بعد أن صنعوا لنا عقدة الجُبن والخوف من المواجهة.
في كل يوم نستيقظ على جريمة من جرائم الفساد تفوق مبالغها المليارات بعد أن إستخفّوا بالملايين، قادةً وأتباعاً وأزلاماً كنا نراهم في اليوم السابق يتحدثون عن النزاهة والوطنية تماماً كما تتحدث العاهر عن الشرف، حتى عبارة السرقة إستعانوا لها بكلمة منمّقة لطيفة بعض الشيء أسموها (هدر المال العام) لتجميل صورة الفاسد.
آخر نكتة سأتلوها لمسامعكم أن سرقة القرن التي نهبوها من الأمانات الضريبية للشركات وتقدّر بأكثر من ملياري دولار تحت غطاء مُشرّعن سوف تُسدّد من قوت الشعب بإعتراف محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، بمعنى أصح ستدفع الدولة تعويض مزدوج للشركات المؤتمنة التي تطالب بأماناتها وللسُرّاق الذين ضاعت بينهم السرقة حين تخرج بعد أيام على شكل دعايات إنتخابية وصور ترويجية للمرشحين وحفلات يتم فيها توزيع وجبات طعام أو بطانيات وكارتات موبايل للناخبين، فهل رأيتم زمن أسوء وأحقر من الذي يعيشه العراقيين؟.
أصبحنا نفتقد التفاؤل حتى في الأحلام عندما هجرت الملائكة سماء الوطن وإستباحته شياطين الإنس، لقد أصبح الحديث في مكافحة الفساد كأنه فلكلور أو ديكور وحتى ثوب يرتدونه في أوقات الشعارات.
المعادلة تُكتب بوجود مجتمع عاجز ومستسلم ومستعد لإنتخاب أكثر الفاسدين فساداً، ونُخب معتزلة أو حتى معتكفة، ربما لأنها يأست من الإصلاح والتغيير حتى باتت تعتقد أنها تكتب على سطوح الماء.
لا تدرك تلك المجموعات أن الفساد أكثر خطراً وفتكاً من داعش وأنظمة الديكتاتور والإستبداد ومن أي عدوان خارجي.
معارك الفساد التي نسمع عنها أصبحت بدون شهداء أو حتى جرحى لأن الأغلب بدأ بالهروب من أرض المعركة.
نماذج الفاسدين كثيرة في عراقنا الجريح وهم في أعلى المناصب يمارسون بهلوانيات الفساد في الحياة اليومية بكل إحترافية وتفوق، لايهمهم إن أطبقت كوابيس المعاناة بأحمالها على صدور الفقراء والمساكين ليبقى السؤال حائماً ..كم من أولئك يعيشون بيننا؟ وكم فاسد تمت معاقبته؟.
يقول الجنرال الفيتنامي جياب “عندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر الوطنيون”… بالمحصلة لقد إزدادت أعداد الوطنيين في بلادنا بعد أن تحولت الشعارات إلى سلع للإرتزاق والربح.
أصعب كلمة تنطقها أيها المواطن وأنت ترى وتسمع الفساد من كل مكان حولك أن تقول “لا حول ولا قوة إلا بالفساد” وتلك هي المصيبة يا وطن.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *