لم تعد الحرب مثيرة للانتباه كما كانت عبر الأزمان، ولم يعد موت الآلاف أمرا مُستنكَرا كما كان يحصل، وأصبح بإمكان من يشعل الحرب هنا أو هناك، أن يفعل كل ما يحلو له مما هو مشين، متجاوزا كل الخطوط الحمر وكل الممنوعات، من غير أن يجد من يرفع يده أو سلاحه اعتراضا على تلك الأفعال المشينة، وهذا يعني أن الأرض ذات الطول والعَرض قد تغيرت، فما الذي جرى لها؟ وما الذي جرى فوقها؟، ويعني أن الحياة تغيرت وتغير من عليها، وهذا يجرُّنا إلى استدعاء الأبيات التي تُنسب إلى أبينا آدم (عليه السلام) والتي قالها بعدما قام قابيل بقتل أخيه هابيل حسدًا منه لأن قربانه قد تُقُبِّل منه، ومن هذه الأبيات: تغيَّرتِ البلادُ ومَنْ عليها فوجهُ الأرضِ مغبرٌّ قبيحُ تغيَّرَ كلُّ ذي طَعْمٍ ولونٍ وقلَّ بشاشةُ الوجهِ المليحُ تغيَّرت البلاد بل تغيَّرت البلدان، وتغيَّرت الحياة ومن عليها، ومجلس الأمن الدولي أصبح مثل الماء عديم اللون والطعم والرائحة، والمنظمات الدولية أصبحت أضعف من أن تقوم بعملٍ ذي فاعلية، والمواقف الدولية أصبحت أكثر برودة من القطبين المنجمدين، وانتهاك حقوق الإنسان أضحى متاحا لكل متوحش لا يعرف أدنى حد من حدود التصرف الإنساني، وغدا استهداف المدنيين بالصواريخ والقنابل حقا من حقوق المحتل الظالم، الذي سمح لنفسه الأمّارة بالسوء والقتل: بقتل الأطفال والنساء والكوادر الطبية والإعلاميين، وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات والمراكز الصحية والدور والعمارات السكنية وخزانات الماء وألواح الطاقة الشمسية، وقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء والاتصالات والإنترنت، ومن المؤسف أن تكون تلك الانتهاكات مقبولة عند بعض الدول لأسباب وحجج غير مقبولة، وسبق لهذه الدول أن صدعتنا بأحاديثها التي كانت تدافع فيها عمّا تسميه بحقوق الإنسان. إن انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان غير مبرر ومستهجن ومستنكر على أعلى المستويات يجري على الأرض بشكل وحشي وغير مسبوق، في ظل قبول مبطَّن من دول معروفة بادعاءاتها الباطلة عن رعاية حقوق الإنسان، واحترام القانون الدولي الإنساني، وإشاعة روح العمل المشترك من دون النظر إلى اللون والمعتقد والدين، ويستوجب الوضع الراهن والظروف المحيطة به إعلاء شأن حقوق الإنسان وحمايتها من كل محتل وظالم حماية فعلية لا قولية، والحفاظ على شرعية القانون الدولي الإنساني وتعزيز تطبيقه وجعله راية فوق الجميع، وإعادة الإنسان إلى إنسانيته المفقودة لأسباب مفهومة وغير مفهومة، وإبعاده عن الوحشية التي تحفر أنهارها وبحارها في الدول وبين الدول.العالم يتوحش والإنسان بحاجة إلى أنسنته من جديد، والقانون الدولي بجاجة إلى تفعيل وتنشيط لكي يكون ذا قيمة، والمسؤولية تقع على كل من فوق هذه الأرض ذات الطول والعّرض.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"