01 Jun
01Jun

إسرائيل تواجه ورطة كبيرة بعد السابع من أكتوبر 2023 لأسباب عدة، أبرزها أنها عادت لتقع في مستنقع غزة بعدما انسحبت منه هرباً عام 2005 زمن آرييل شارون من دون أن تمتلك رؤية لتلك العودة للمستنقع ذاته الذي بات اليوم أكثر عمقاً واتساعاً.

تصريحات خالد مشعل زعيم "حماس" تؤكد أن الحركة بخير وتعيد تموضع قواتها في كامل أراضي قطاع غزة، وهي بصدد إلحاق الهزيمة بإسرائيل وتفكيك المشروع الصهيوني.
وبينما يقول خامنئي باقتراب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر تتجاوز أرقام الضحايا المدنيين 120 ألفاً بين قتيل وجريح، ولم تعد غزة إلا مدينة أشباح دمر أكثر من 70 في المئة من منشآتها، وهي تدمي بصورة يومية جراء حرب إسرائيلية انتقامية مستمرة ضد القطاع للشهر الثامن، ومرشحة للاستمرار لأشهر عدة أخرى لأن إسرائيل باتت حبيسة رؤية اليمين المتطرف للتهجير والتصفية العرقية للفلسطينيين.
ولا يحرك موت آلاف ساكناً عند قيادات "حماس"، سواء تلك التي في الخارج أو في الأقبية والأنفاق، في غزة المذبوحة من الوريد إلى الوريد، وهم يواصلون مشروع النصر الوهمي فوق أشلاء أهلهم.
وتعيش العواصم العربية الكبرى المأساة الفلسطينية وهي تسابق الزمن لحشد الإجماع الدولي للإبقاء على وهج حل الدولتين وقطع الطريق على تجار الحروب وبائعي الوهم.
صدى الكلمة التاريخية التي ألقاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في "قمة البحرين" تتردد على مسامع البشرية وهو ينادي بوقف فوري لهذه المجزرة، مؤكداً تخادم المشروع الإسرائيلي مع المشروع الإيراني من خلال تكريس الفصل بين الضفة والقطاع للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومذكراً بأن رفض "حماس" المتكرر لإنهاء الانقسام الفلسطيني ورفض الانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ما هو إلا طرف من هذا التخادم المذل للمشروع الإيراني، الذي أوصل إلى السابع من أكتوبر (تشرين الأول)2023، ووفر مزيداً من الذرائع والمبررات لإسرائيل كي تمعن في القطاع قتلاً وتدميراً.
إستراتيجية الدول العربية المؤثرة التي تقودها اليوم السعودية وتتبناها كل القوى المحبة للسلام في العالم تقوم على قاعدة الوقف الفوري للحرب، وانسحاب إسرائيل من القطاع ورفض التهجير للفلسطينيين وتمكين "منظمة التحرير الفلسطينية" من صلاحياتها السيادية والحصرية في إدارة ملف المفاوضات، وتفويض مجلس الأمن لقوات حفظ سلام في غزة وتمكين المؤسسة الأمنية الفلسطينية من تولي مهماتها في غزة تحت سقف سلطة واحدة وسلاح واحد وقانون واحد، والشروع في مفاوضات تقوم على أساس إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والبحث في تطوير هيكلية أمنية إقليمية لضمان أمن فلسطين وإسرائيل.
الإستراتيجية العربية تنتصب في وجه رؤية العنف المنفلت التي جربت خلال الـ70 عاماً الماضية، وهي رؤية عدمية تؤمن بأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من رمي الإسرائيليين في البحر، وتقول إن إسرائيل باتت تحت ضربات "حماس" دولة مفككة منهكة تسير بقوة نحو الاضمحلال والانحلال، وأن النصر صبر ساعة ولا بأس في مزيد من التضحيات لأن فلسطين ولادة، وباتوا متيقنين من قيام دولة الخلافة الحمساوية فوق أرض فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر.
الورطة تحت المجهر
تحدث عالم السياسة البروفيسور الأميركي جون ميرشيمر في محاضرة له أخيراً، حملت عنوان "لماذا إسرائيل في ورطة كبرى؟" عن التحولات الجذرية التي شهدها الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر2023، وأثرها في مجمل الأوضاع في المنطقة، وأوضح أن الشرق الأوسط قبل السابع من أكتوبر2023 كان ينظر إليه على أنه منطقة مستقرة نسبياً، لكن الأحداث التي جرت في ذلك اليوم قلبت الأمور رأساً على عقب وأدت إلى تعقيدات مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها بسهولة.
شرح الدكتور ميرشيمر الوضع في غزة والصراع بين إسرائيل وحركة "حماس" من منطلق فهمه لما سماه "إسرائيل الكبرى" التي تسيطر على كل الأراضي بين النهر والبحر وتشمل الضفة والقطاع، موضحاً أنه يوجد في هذه المناطق نحو 7.3 مليون فلسطيني في مقابل 7.3 مليون يهودي إسرائيلي، مما يخلق توازناً ديموغرافياً يطرح تحديات سياسية وأمنية كبيرة لإسرائيل.
وحيال وضع كهذا فإن إسرائيل كانت و لا تزال أمام خيارات أربعة للتعامل مع هذا التوازن الديموغرافي الدقيق، فإما إسرائيل ديمقراطية كبرى تكون جميع الأراضي تحت سيطرتها وتتمتع بالديمقراطية والمساواة، وهو خيار غير واقعي لأنه يعني نهاية الدولة اليهودية بسبب التفوق الديموغرافي الفلسطيني المتوقع، وأما الخيار الثاني فهو حل الدولتين الذي يعتبر الخيار الذي يتبناه القانون الدولي إلا أنه يرى من غير الممكن تحقيقه لأن إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر2023 باتت ترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، والخيار الثالث هو خيار دولة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل حالياً، أما الرابع فهو خيار التطهير العرقي الذي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة والقطاع لإقامة دولة يهودية كاملة، وهو مطمع إسرائيل الحقيقي.
ويعتقد ميرشيمر أن الهدف الحقيقي لإسرائيل من حرب غزة ليس ما تعلنه من القضاء على "حماس" وتحرير الرهائن، ولكنه يتلخص في تطهير غزة عرقياً ومن ثم التخلص من "حماس"، ولحل مشكلة الفصل العنصري الذي تعيشه إسرائيل فهي تعمد إلى خلق ظروف غير قابلة للعيش في القطاع لدفع السكان إلى الهجرة، مؤكداً قناعته بأن الإستراتيجية الإسرائيلية تشمل قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية لجعل الحياة في غزة غير ممكنة.
ومن هنا فإن إسرائيل تواجه ورطة كبيرة بعد السابع من أكتوبر2023 لأسباب عدة أبرزها أنها عادت لتقع في مستنقع غزة بعدما انسحبت منه هرباً عام 2005 زمن آرييل شارون، من دون أن تمتلك رؤية لتلك العودة للمستنقع ذاته الذي بات اليوم أكثر عمقاً واتساعاً، كما أن قدرة إسرائيل على الردع ضعفت بصورة كبيرة، إذ لم تعد إسرائيل تمتلك الهيمنة في التصعيد تجاه أعدائها، إيران وعملائها، وعلى رأسهم "حزب الله" الذين باتوا يمتلكون الصواريخ والمسيرات بأعداد متزايدة، إضافة إلى تضرر سمعة إسرائيل في الساحة الدولية باعتبارها دولة منبوذة.
كيفية الخروج من عنق الزجاجة
تعيش إسرائيل اليوم مأزق نزعتها الانتقامية ورؤية يمينها المتطرف غير الإنسانية وغير الأخلاقية وغير المشروعة لتصفية الشعب الفلسطيني عرقياً وتهجيره وتحويله إلى أقلية ضعيفة لا يعتد بها، مما يغيب العقل والمنطق ويجعل الفشل من نصيب كل مساعي أميركا، حليف إسرائيل الرئيس، التي تحاول تصويب نزعات حليفتها، من زاوية أنها تتشارك الخسارة وآثارها الكارثية باعتبارها راعية لهذا الكيان الذي لم يعد فيه من يحمل رؤية للسلام والعيش المشترك، بل يزداد مع الأيام صلفاً وتشدداً.
وتدرك أميركا أن عالم اليوم يشهد تحالفات وتحركات حثيثة لإزاحة النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط بموازاة تزايد التحديات في أوروبا وأفريقيا وتلك التي تقودها الصين في شرق آسيا، مما يضعف قدرة القوة الأكبر في العالم في مقابل صعود ما يسمى "محور الاستبداد" الذي تتكون نواته من دول في حال صراع مع أميركا بقيادة الصين، وباتت أهدافه التوسعية أكثر وضوحاً.
إن الخيار الذي يقدمه العرب بقيادة سعودية فاعلة ويحظى بدعم دولي متزايد هو الخيار الوحيد لقطع الطريق على المشاريع التي تبتغي إعادة المنطقة لدوامة العنف والصراعات والموت، بعدما بدأت تتنفس الصعداء والخوض في ورشة الازدهار والتعاون.
ومن أجل وقف التدهور القائم يجب على أميركا الوقوف بصورة حازمة خلف خيار حل الدولتين في جميع المحافل الدولية، والاعتراف بفلسطين دولة مستقلة والضغط على إسرائيل لوقف الحرب فوراً والدخول في مساعي قيام دولة فلسطينية فوق أراضي الضفة والقطاع بقيادة السلطة الوطنية ومظلة "منظمة التحرير الفلسطينية"، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا التوجه لا ينبغي النظر إليه باعتباره تنازلاً مؤلماً تقدمه إسرائيل، ولن يشكل قيام دولة فلسطين أي تهديد لأمن إسرائيل بل مدخلاً حقيقياً لإغلاق صفحات مؤلمة من تاريخ المنطقة، والدخول معاً في ورشة الازدهار الإقليمي، فهل من يد ممدودة في إسرائيل لهذا الخيار؟


*نقلا عن إندبندنت عربية


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة