تلعب الرموز والأيقونات دوراً كبيراً في حياة الشعوب، وتوجيه مصائرها وأحلامها. وما يميز نضالات الشعب الفلسطيني على مدى عمر كفاحه (على مدى ١٠٠ عام)، هو أن هذه الرموز والأيقونات تتجدد باستمرار. وبأشكال مختلفة. وفي هذا الزمن الرديء باتت جنين ومخيمها، مصنعاً ومنتجاً لكل هذه الرموز الكفاحية والتي هي أشبه بالأساطير ، ولكنها أساطير حقيقية تُشهد بكونها بأم العين. وموقعها مخيم جنين بمساحة أقل من نصف كيلومتر، وب ٢٤ ألف فلسطيني برجالهم ونسائهم وأطفالهم.
هذا المخيم وسكانه باتوا اليوم هم الأسطورة التي تجهد سلطة الكيان مرة تلو المرة، وبكل الوسائل لإلغائها والسيطرة عليها.
وإليكم ماحدث..
حشدت قوات العدو الصهيوني ١٣٠٠ جندي بمن فيهم قوات خاصة. إضافة لسلاح الطيران الصهيوني، نعم طائرات إف ١٥ من أحدث الطرازات، إضافة لسلاح المدفعية، والهندسة. أسلحة بجرافات ضخمة. وعلى مدى يومين متتاليين، صبت قوات العدو الصهيوني كل هذه الإمكانات والكره المستعر، بهدف كسر شوكة المقاومة لأهل جنين، ولتجعلها عبرة لباقي المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وحتى مخيمات الشتات..
صحيح نجحت هذه القوات في تجريف طرق المخيم وتدمير بنيته التحتية، ودمرت امدادات المياه والكهرباء وغيرها، لكنها بالمقابل واجهت مالم تواجهه من قبل. واجهت أطفالاً بعمر الشبيبة المبكرة، لا يهابون لا القوات الخاصة ولا قصف الطائرات والمدفعية ولا حتى رشاشات المدرعات. إنهم ملائكة جنين، نعم لا وصف آخر لهؤلاء الأبطال الذين أنجبتهم نساء فلسطين. يومان وفقط عشرات الشباب في مواجهة أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط مدعومة بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية.
ورغم كل هذه المفارقة بنسبة القوى على كل الصعد، فشلت سلطة الكيان بكسر شوكة ملائكة جنين، لا بل وُجه لهم ضربة لكل ما يتبجح به قادة العدو .حيث حوصر جزء منهم لساعات عدة، وحتى أنه تدخل سلاح الطيران، لمحاولة فك الحصار عنهم. ومدرعات جيش الاحتلال تحترق وتنفجر بمن فيها، في مشهدية يعجز وصفها.. استشهد ١٢ عشر قمراً من أقمار جنين وأصيب ١٢٠ بطلاً وطفلاً وامراة بالرصاص الحي، ودمرت عشرات المنازل.
وفي صبيحة اليوم التالي خرج الآلاف من مخيم جنين ومن جنين لتشييع شهدائهم يتقدمهم أبطال المخيم باسلحتهم، وهم يهتفون لفلسطين والشهداء، وتداعت نابلس وأهلنا في مناطق ال٤٨ لإعادة إعمار ماتهدم، واصر السكان ممن تهدمت بيوتهم إلى العودة إليها فوراً وحتى قبل أن يجري ترميمها.
تلك هي الأسطورة الجديدة لفلسطين.. أسطورة بطولة وصمود مخيم جنين والتي أعطت وتعطي دروساً بالبطولة والفداء.
جنين ومخيمها لم تنتظر دعماً من أحد، واستذكرت صبرا وشاتيلا وثورة البراق وثورة ١٩٣٦ وملائكة جنين كانوا يغنون
من سجن عكا وطلعت جنازة
محمد جمجموم وفؤاد حجازي
وهم يتقدمون إلى المشانق..
ولأننا شعب جُبلَ على النضال والصمود، فإن بذرة المقاومة باتت جزء من موروثنا الثقافي والاجتماعي. يتبدى بين الحين والآخر في كل القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، وبعد مضي ٢٤ ساعة على نهاية الغزو الصهيوني، نُفذت عمليتين بطوليتين أسقطت جنوداً ومستوطنين صهاينة بين قتلى وجرحى، وهو مايعني أن كل آلة العدو الصهيوني لن تفلح بكسر شوكة شعب مادام فيه ملائكة من جنين ومن كل مدن وقرى ومخيمات شعبنا الفلسطيني.
الخزي والعار للمتخاذلين أينما كانوا
المجد للشهداء والأسرى والجرحى
ولنرفع راية جنين عالياً
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *