30 Mar
30Mar

حفل شهر رمضان المبارك الحالي ، بوجود العديد من برامج المسابقات في الفضائيات ، هدفها التشويق وتقديم الهدايا المالية والعينية للمشاركين فيها ، بشكل ترفيهي معتمدة على دور مقدميها في حركة الوجه بطريقة الإثارة ، وقد حازت تلك البرامج على اعجاب المشاهدين ، وحققت تفاعلاً ملحوظاً ، وحصدت متابعة واسعة من الجميع ، وعززت روح التنافس بتقديم المعلومة بشكل تحفيزي.. ولستُ هنا بصدد تقييم مستوى تلك البرامج ، إنما اشير الى نقطة احزنتني كثيرا لمستها في احد تلك البرامج ، وهو برنامج ( الملياردير) الذي يقدمه الاعلامي المعروف جورج قرداحي ومع تقديري للهدف الانساني الواضح للبرنامج المتمثل بتوفير الهدايا المالية للمشاركين من خلال اسئلة بسيطة ، فلم يخرج متسابق في البرنامج إلا بحوزته مليون دينار ، والقلة من وصل الى 30 مليونا .. اما النقطة المؤلمة التي لمستها على مدار حلقات البرنامج حتى يوم امس ، هو المستوى المتدني في ثقافة المشاركين ، رغم ان البرنامج كما يبدو ، اختص باستضافة نخبة من المستويات الدراسية المهمة ( بكالوريوس ، ماجستير ، دكتوراه ) للمشاركة فيه ، واظن ان ادارة البرنامج ارادت من ذلك تقديم ساعة تلفزيونية ملآى بمعلومات مفيدة بطريقة لطيفة ومميزة تدل على مكانة ووعي تلك «النخب» المجتمعية ، لكن الذي حدث كان انتكاسة ، حيث تبين ان أولئك لا يمتلكون المعلومات العامة ، والادهى من ذلك ، ان بعضهم لم يجب على اسئلة بسيطة باختصاص شهادته، وغير متسلحين بالمعارف والمهارات الثقافية البسيطة التي تعينهم على النجاح في دورة الحياة ، وقد لمس المشاهد استغراب السيد قرداحي من خلال تعبيرات وجهه ، حيث كانت هذه النخبة تتعثر في اجابات على اسئلة ( بسيطة للغاية) مثل في اي بلد يوجد ( ملعب الشعب الدولي ) او ( اين يقع تمثال شهزراد وشهريار) وأحد المشاركين لم يفرق بين شارع ابي نؤاس وشارع المتنبي ، وغيره توقف كثيرا عند سؤال البرنامج عن مدينة ( نيودلهي) وهل هي عاصمة الهند ! ..الخ.
اما موضوع الاسئلة الثقافية والتاريخية والرياضية ، فالحديث عن اجوبتها ، يدخل في خانة الجهل المطبق ، وحين استذكر برنامج « صندوق السعادة « الذي كان يقدمه المرحوم فخري الزبيدي من تلفزيون بغداد في ستينيات القرن المنصرم ويستضيف بسطاء الناس ، فأنني ادور في ساحة الاستغراب ، واسأل عن حالة الازدراء المعرفي الذي نعيش الان !
ان الحالة التي شاهدناها في البرنامج ، هي صورة جهل مركب مراوغ خفي مقنّع بالشهادات والعناوين الزائفة. وتشكل جهل وتجهيل ، وينبغي على الجهات التربوية عندنا ، الادراك  ان الخوف في المستقبل ليس من الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة…. بل الخوف من أمية الأكاديمي الذي ينبغي انه وصل إلى درجة عالية من التعليم والثـقافة.. وهنا اقترح ، واظن ان اقتراحي ، سيواجه بضحكة استهزاء من قبل وزارة التعليم العالي ، لكني اطرحه برغم ذلك ، وهو ان تكون هناك ساعة اجبارية من الوقت ، بين يوم وآخر ، او كل ثلاثة ايام حسب ظروف الاقسام في الكليات الرسمية والاهلية تخصص للقراءة العامة من خلال استعارة كتب حسب رغبة الطالب من مكتبة القسم او الكلية ، وتكون مطالعة حقيقية بأشراف الاساتذة ، فمن المعيب ان يتخرج الطالب من الجامعة ، ولا يعرف بديهيات المعرفة العامة ، ولاسيما البسيطة منها في الثقافة او العلوم الانسانية او الصرفة ، فقطار الحياة يسير بسرعة كبيرة .. فـ «يا رجال العلم يا ملح البلد *** من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة