فم مفتوح .. فم مغلق
اتمنى ان ما سمعته لا يمت الى الحقيقة بشيء، فالبلد الذي لا يحب صحافته، ولا يحترم دورها التنويري؛ هو بلد مريض، ومرضه صعب العلاج، لأنه يتعلق بالوعي وفهم حقائق الحياة.
فما الذي سمعته، واقلقني كثيرا؟
الاخبار تقول ان الصحافة الورقية الاهلية، تعيش الان قلقاُ، بعد ان تلقت ضربة جديدة بمعول الحكومة، واظنها ستكون القشة التي تقسم ظهر الصحافة (الاهلية) التي تمثل احد اهم معاقل الديمقراطية في الوطن، إن لم تلتفت الجهات العليا الى ايقاف هذا المعول عن العمل به، وهذا ما نرجوه.
فما هو هذا المعول، او الحبل الخانق، الذي شكل صاعقة على الهيكل الصحفي العراقي المتكئ على عراقة عمرها 155 عاما من الاصدار الصحفي.. انه كتاب وزارة التخطيط: (قسم العقود « المرقم 1 / 1 / 457 في 27 / 6 / 2024 الذي يطلب فيه نشر الاعلانات الخاصة بالمناقصات للجهات الحكومية عبر المنصة الالكترونية الموحدة للإعلانات بدلا من نشرها عبر الصحف) وهذا الاجراء ان صح تعميمه، فأن فيه اجحاف وضرر كبير بحق الصحف الورقية الممولة حصرا من الاعلان.
تذكرتُ، وانا اتحسس معاناة وقلق مئات الصحفيين واصحاب الصحف، ان دخل قرار وزارة التخطيط حيز التنفيذ، ما سبق ان اقترحته على د. برهم صالح رئيس الجمهورية في العام 2019 في اجتماع حضره الزميل الاستاذ مؤيد اللامي نقيب الصحفيين.. اقترحتُ على رئيس الجمهورية، وسجل اقتراحي في مفكرته، ووعد بمتابعته، ان يعود توزيع الاعلانات الى خارطة عادلة، مثلما كان معمولاً به في اعوام ستينيات القرن المنصرم، واكيد ان آلياته وأولياته موجودة في ارشيف وزارة المالية، حيث كانت الوزارات كافة تبعث جميع اعلاناتها الى وزارة المالية، ثم تقوم تلك الوزارة بأرسال معتمديها ظهر كل يوم، الى الصحف، حاملين اعلانات بالتساوي لكل صحيفة، دون محاباة، وكانت وزارة المالية، تحدد نسبة، معروفة من واردات تلك الاعلانات، الى صندوق تقاعد الصحفيين، والصحف آنذاك لم تعان من الفقر المدقع الذي تعانيه اليوم بسبب سباحتها في بحر، بلا مستقر.. و قد كنتُ شاهد عيان على تلك الفترة الزاهية من تاريخ الصحافة العراقية.
ان توقف هذه الصحيفة، او تلك عن الصدور، يعني ان الشريان الصحافي في العراق اصابه خلل مميت، حيث هناك عديد من الصحف، ترفع خجلا راية التوقف، باعتبارها آخر الكي، بعد معاناة طويلة، واستنزافات، لم يقوى اصحابها على الاستمرار، فاتجهوا الى تشريد مئات العاملين من الصحفيين والفنيين.. هم الآن بلا عمل، واظن ان عددا آخر سيلتحق بقافلتهم إن سرى مفعول القرار آنف الذكر..
حكومتنا الموقرة.
ان الصحافة الورقية، تبقى تاجاً، فهي الارشيف المكتوب الوحيد لحقب الزمن، والسجل الذي لا يمحوه الزمن، فهو المتحدي الاول للتاريخ.. والصحافة هي النسغ الذي يبقى شجرة المجتمع مروية وبدونها تجف وتصبح حطبا، وهي التي تبقينا حرّاسا للحلم والثوابت والحقوق التاريخية، وهي الذاكرة والعقل ومحرك الفعل، فالصحافة الورقية، هي الشاهد الصادق، كونها السجل اليومي المكتوب.. وكلنا امل في ان نرى مسعاك، من خلال عدالة توزيع الاعلانات.. املنا كبير بذلك.. فهل يتحقق ذلك؟
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"