13 May
13May

 خطواتٌ فعلية متسارعة أخذتها عدّة دول لتحجيم الدولار وتقليل التعامل به في التجارة العالمية، ليس فقط لأنها ضاقت ذرعاً بالمنافسة غير الشريفة مع دولة الدولار الولايات المتحدة الأمريكية، فهي منذ فترة طويلة تشعر بالاحتقان تجاه ذلك، بيدَ أنه الآن باتت تملك القدرة على القيام بالإجراءات العملية،ولربما ما تكشّف جلياً إثر الحرب الروسية الأوكرانية من استخدام للدولار كسلاحٍ في وجه كل من يعارض رغبة أمريكا أو يعاندها، ضاربةً بعرض الحائط مصالح الغير وغير آبهةٍ بإفقار ناميات الدول، في سبيل الحفاظ على عرش الملك تاجاً لباقي العملات، وهذا ما أفقدها الثقة بعد احتفاظها به كعملة احتياط يمكن تجميدها عند أي طارئ، وتمثل ذلك بسلسلة رفع الفائدة من قِبل الفيدرالي الأميركي وتأثيره السلبي على شعوب العالم، ناهيك عن تدهور كبار البنوك كسيليكون بانك” وسيغنتشر “ودوتش الألماني “وما زالت كرة الثلج متدحرجة.

إنَّ المكانة التي وصل لها الدولار تعود جذورها للعام 1944م الذي شهد توقيع اتفاقية “بريتن وودز”، تلك التي جعلت من أمريكا زعيماً للنظام العالمي الجديد بربطها الذهب بالدولار لسهولة التبادل التجاري آنذاك، على اعتبارها كانت مصدراً للصناعات الثقيلة والخفيفة على حدٍ سواء، استمرّ الحال كذلك حتى العام 1971، وما قام به الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من فك الارتباط الوثيق بين الذهب والدولار عقب الأزمة التي عصفت بواشنطن، لعدم وجود الغطاء الذهبي لكمية الدولارات المطروحة في العالم، حينها أدركت الأخيرة أن قوتها الفاعلة ملتصقة وثيقاً بعملتها لتوقع بعدها اتفاقية البترودولار عام 1973، ليعتلي عرش العملات من جديد حتى وقتنا الحالي، ويغدو سبعون بالمئة من سكان العالم يستخدمونه في التعاملات اليومية، بينما يبلغ احتياط الدول منه ستين بالمئة مقابل باقي العملات.

ما أسلفتُ من نبذةٍ مقتضبة لتبيان أن ما جعل للدولار صولات وجولات هو في الحقيقة الذهب أولاً ومن ثمَّ النفط، فماذا لو شرعت الدول المنافسة لإحلال نظام عالمي مختلف متعدد الأقطاب الصين وروسيا والهند، بفرض عملاتها المحلية في تجارتها الخارجية، خاصةً بعد تنامي وجودها الاقتصادي والجيوسياسي على الخريطة العالمية، ألا يندرج ذلك في إطار المنطق، ألم يحن الوقت لأن ينضم الدولار لغيره من العملات في سباق شريف متكافئ، فما الذي يدفع قارة كإفريقيا السمراء والتي تجمعها بالصين تبادلات تجارية هائلة أن تستخدم الدولار وتسعى جاهدة للحصول عليه للوفاء بالتزاماتها حتى لو أنهكها ذلك، وما الذي يدفع دول جنوب آسيا للهاث وراء العملة الرائدة ما دامت التعاملات بينيةً؟.يزداد قلق واشنطن يوماً بعد يوم من تراجع عملتها وهو ما سيكون ملحوظاً بشكل واضح في السنوات القليلة القادمة، ليقابله تفاؤل كبير في الأوساط الدولية في ظل الاتفاقية التي تمت بين البرازيل أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية والتنين الصيني للتبادل التجاري بعملتيهما المحليتين، كذلك تعهدت الهند بشراء النفط الروسي بالروبل، وذلك ما يحدث أيضاً بين العملاقين التنين والدب، لتتجرّأ الأرجنتين وتسدد ثمن الواردات الصينية باليوان منعاً لاستنزاف احتياطاتها من الدولار، إضافة لما ذكر فإن بعضاً من الدول العربية تدرس فعلياً ذلك، فهاهي مصر تجري مباحثاتها مع عمالقة الشرق لإمكانية استخدام العملات المحلية وقد تنحو المملكة العربية السعودية ذلك مع الصين، أما بالنسبة للتكتلات الاقتصادية فقد تمسك مجموعة البريكس زمام البداية مع إعلانها عن عزمها على إيجاد عملة مشتركة بين أعضاءها سيعرضها في آب القادم ولها غطاء ذهبي، ناهيك عن مجموعة آسيان التي تضم بين جنباتها عشر دول وتعتبر سادس اقتصاد على مستوى العالم، وتبلغ تعدادا سكانيا يفوق الاتحاد الأوروبي، باتت تؤمن بضرورة التعامل بعملاتها المحلية.نبّه منذ أيام كبار المحللين الاقتصاديين الأمريكيين منذ أيام لأن احتياطات الدول من الدولار قد انخفضت في العامين الماضيين من 60% إلى 47% وهذا دليل جلي على أن حرب العملات العكسية، التي كانت تنتهجها واشنطن لتقوية عملتها على حساب إضعاف العملات الأخرى قد ترتد كصفعة قاسية في وجهها سيكون من أعظم آثارها إزاحتها من قيادة العالم.وفي هذا السياق إذا تم فعلياً تهميش الدولار، فالوهن الكبير سيصيب الدول الصغيرة والنامية ومنها الدول العربية التي يجب عليها الحذر بتحويل الجزء الأعظم من احتياطاتها إلى الذهب ناهيك عن تنويع العملات ليساعدها في الانخراط في النظام المالي الجديد متعدد الأقطاب لعل ذلك يخفف عنها وطأة ما سيحدث مستقبلاً.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة