- آرائكم
- حوار بين حرامي وشحاذ
صادف ان التقى شخصان على قارعة طريق. أحدهما يبدو عليه الاحتيال ولا تجد في عينيه ما يدلل على الخنوع والذلة، على عكس ما يبدو على الآخر.
الأول كان حرامياً، وهو قد تعود على السرقة متحملاً مطباتها بين الحين والآخر. لقد كان قد قضى فترات متعددة ومختلفة في السجن، واحياناً الى ضرب وتوبيخ.
أما الثاني فقد كان قد تعود على حياة الشحاذة ومنذ صغره حينما كانت تدفعه أمه الى الذهاب الى حيث يتجمع الناس ويسألهم العون بحجة أن أمه مريضة وهي تحتاج الى دواء لا تملك الأسرة ثمنه. هكذا بدأت الشحاذة ثم تطورت عنده مهارات استعطاف الناس وكسب الكثير من خلالها فأصبحت مهنة له.
في لقائمها الصدفة وتعارفهما، وحتى تحاببهما، سأل الحرامي الشحاذ عن حاله وماذا يعمل لكسب عيشه، فأجابه الشحاذ دون أي تردد أو شيء من الخجل: أنا أعيش على الشحاذة! استغرب الحرامي للحظات، فقال: على الشحاذة؟ أجابه الشحاذ: نعم على الشحاذة. ولما الاستغراب؟ عاد الحرامي ليسأله ثانية: ولكنها طريق لا أدري ما أقول، ليس باللائق لرجل شهم مثلما أقدر؟ أجابه الشحاذ: تريد أن تقول بأن الشحاذة تتطلب الذلة والمسكنة وسؤال الناس واستعطافهم حتى من خلال الكذب والاحتيال. والله ما تمكنت من قولها، بالضبط، أجابه الحرامي.
ولكن قل لي، يسأل الشحاذ: وكيف تكسب انت قوت يومك وكيف تعيش؟
يجيب الحرامي بكل شجاعة وثقة بالنفس: أنا حرامي، لكن ليس كما يمكن أن تظن. فأنا لا أسرق الفقراء ولا أستغفل كبار السن ولا أخطف محافظ نقود المارة! أنا لا أسرق الا من السراق الكبار، سراق الوطن!
سراق الوطن؟ يسأله الشحاذ بتعجب. ألست سارقاً وبالتالي واحداً من سراق الوطن؟
على مهلك أخي الشحاذ! هل سمعت بحكاية “روبن هود” ذلك الذي كان يسطو على قوافل النبلاء في الغابات ويسطو على مجوهراتهم ويوزعها على الفقراء المضطهدين والمنهوبين في ما يكسبونه؟
ولكن، يعود الشحاذ لسؤاله: لكنه في الوقت الحاضر لم يعد وجود لأولئك النبلاء وبالتالي لم تعد هناك من حاجة لروبن هود، أليس كذلك؟
الحرامي: انهم اليوم موجودين بأسماء أخرى، وهم أكثر من النبلاء عدداً وأشد منهم نهباً لثروات الناس. انهم ساستنا ورجال ديننا ونوابنا في البرلمانات من الذين لا عهد لهم ولا ذمة. الشحاذ، ولكن قل لي: كيف تسرقهم؟
يجيب الحرامي: هذه المسألة قد تكون صعبة بعض الشيء في فهمك لأساليبها!
أصل اليهم والى أبنائهم وأسرقهم من خلال حكايات الليل والمجون في خمرة وحشيش ونساء وصفقات عقارات ومناصب وهمية وعقود يسيل لها اللعاب.
الشحاذ: وماذا لو اكتشفوا يوماً ما تقوم به، وهم الساسة والوعاظ والنواب؟
الحرامي: لكل مهنة مخاطرها، لكني أتجرأ على ممارستها لأني أعمل على مساعدة كثير من المحتاجين من خلال ايراداتها. ألم تسمع بمجمع المتعففين السكني وبمستشفى المدينة الخيري وبمدارس الأيتام والمعوقين؟
الشحاذ: ولكن من أين تعيش أنت، طالما انك بهذه الفروسية والعفة؟
الحرامي: لا أريد أن أكذب عليك، أنا أعيش كعامل نظافة في بلدية المدينة حتى منتصف النهار، وبعدها أمارس مهنة السرقة على طريقتي الخاصة بعدها!
الشحاذ، ينكس برأسه ويعود متأملاً ما يقوم به من خنوع ووضاعة وهو يكسب نقوده من أولئك البسطاء الذين يخرجون من مساجد الصلاة وممن يستطيع أن يحتال عليهم من خلال حكاية كاذبة أو شدة ساق مكسورة أو حدبة ظهر!
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"