23 Mar
23Mar

عثروا على مبالغ مالية كبيرة ( 5 كواني و25 كيسا ،تقدر بنصف مليار دينار عراقي) داخل منزل متسولة بمنطقة الحرية بعد وفاتها باحدى مستشفيات بغداد! حسن حمدان باحث اجتماعي يعد لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع من اورد الخبر على صفحته، ولأنه كان يسعى لوضع دراسة مماثلة متنكرا – متقمصا زي عمال النظافة الذين اصادف مثلهم في شارع الجاردينز بعمان حيث لايدعون عقب سيجارة ولا كسرة خبز ولا علبة فارغة الى وسحلوها الى مكب النفايات .. حمدان الذي يموت حبا بالتخصص- وفق منهج فاندالين – اقترن بمن نالت على شهادة في الاجتماع قبله قال لي : (لكل متسول قصة، وحمدان كان يجلس بقربهم ويركز على تفاعلهم مع المجتمع المحيط، وكيف يتم التعاطي معهم من قبل الاخرين الذين يعلمون بان هؤلاء يمتهنون التسول ، في البداية كان بعض منهم يتحاشى ان يراه الباحث وهو يتسول في شارع المتنبي او في الأماكن الأخرى التي يتواجد بها الباحث، لانه كان يخشى ان يفقد احترامه لدى هذا الباحث، الذي يستمتعون كل ليلة لمحاضرة شيقة منه داخل احد المقاهي عندما يبادر الاخرين باستثارته بسؤال ليتحول المكان الى صالون ثقافي مصغر، يعالج هموم المجتمع والسياسة..وفي خضم كل هذا وذاك، تعرف حمدان على متسول من منطقة أخرى، كان يأتي الى الميدان وشارع المتنبي ليمارس الاستجداء، والغريب في هذا المتسول هي صراحته المفرطة، حتى اذا سأله احد ماذا تفعل بالمال، يجيب (اشتري بي ربع عرك) أي انه سينفقه لشراء الكحول ، ويدعو بالرحمة لذوي الشخص الذي وهبه هذه الصدقة الكبيرة! ويسأل الله ان تكون في ميزان حسناته!
قرر حمدان المضي في رحلة استكشافية معتمدة على المشاعر والتجارب، لا يسعى فيها إلى الإحساس بالشفقة بل إلى فهم النزعات الإنسانية المختبئة خلف وجوه الفقر واليأس وان يتعرف اكثر على هذا المتسول الغريب، والذي كان يعرف بـ(جاسم)، رجل في خمسينيات العمر، يتلوث كل يوم بطين الحياة، يلف أحلامه مع كيس من الخيبات تترع على الريق مع كأسٍ من الكحول. كان العمال والحمالين وبعض من يعملون في المنطقة يحبون جاسم، لانه لطيف المعشر (صاحب نكته) يميل الى الفكاهة ، فضلا عن كونه سليط اللسان، الا انه طيب القلب، وهنا كان الاختبار الحقيقي للباحث، فذات يوم وكما هو معتاد التقى حمدان بجاسم المتسول، وطلب جاسم منه بعضاً من المال، الا ان الباحث قال لجاسم: انا اليوم لا املك المال، وليس عندي ما يكفي لأشتري سندويتش! ، وهنا انبرى جاسم، وقال (أستاذ اني اخوك واليوم اني عازمك على الريوك)، دخل الباحث مع جاسم الى المطعم والناس تنظر اليهما، وعلى غير المعتاد يطلب جاسم لفة السندويتش للباحث وبعد ان انهاها طلب منه ان يأكل المزيد و ان يطلب له علبة كولا! وبعد ان انتهت وليمة الفلافل، استأذن جاسم ليعود الى الاستجداء في الشارع من جديد، وكأن به صانع يعود لمزاولة عمله!.
تعلم الباحث حمدان أن جاسم ليس مجرد متسول يبحث عن قوت يومه، بل إنه كان شاهدًا على تحولات المجتمع ومرارته، فأصبح في عينه من مجرد فقير إلى شاهد على الزمن.والان وبعد ان توفي جاسم، بسبب كثرة تناول الكحول، وصل الباحث حمدان قاب قوسين او ادنى من اكمال اطروحته للدكتوراه، والتي سيخط اهداؤها الى روح المرحوم جاسم أبو أحلام، عسى ان تحقق شيء من أحلام جاسم في بناء مجتمع جميل يرفل فيه الجميع بعز وكرامة).
من اوتريخت الهولندية – صباح عطوان – مجددا يفيدني – هاتفيا بالمعلومات التالية :عن مسرحيته مملكة الشحاذين (كتبتها عن الأزمان المتأخرة من العهد العثماني حيث عاش المتسولون في مشاعيات بدائية).التسول وظيفه اجتماعية ملفقة لتنظيف الجيوب.. قضي الامر لن اكتب عنهم شيئا .
في شقته القريبة من جامع الطباع في عمارة الامل بعمان كان الشاعر الكبير يقرأ لي دامع العينين : وَحِيدَيْنِ نَبقى أُمَّ خالِدَ هَهُنا ،نَحِنُّ حَنينَ النُّوقِ للزَمَن الخَلِي،وَيا وَيْلَنا مِن يَوم يَرحَلُ واحِدٌ،وَيَبكي الذي يرثيه حد التوسل
انا سمعتها منه حد التسول …
قال لي : والله هذه ابلغ !


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة