04 Jun
04Jun

عدتُ‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬العزيزة‭ ‬البارحة‭ . ‬كان‭ ‬الوقت‭ ‬جامداً‭ ‬على‭ ‬رازونة‭ ‬الغروب‭ ‬،‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬تعبٍ‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬الطريق‭ .‬
شغلت‭ ‬عداد‭ ‬الذاكرة‭ ‬بعلاوي‭ ‬الحلة‭ ‬ولوحت‭ ‬بيميني‭ ‬العالية‭ ‬صوب‭ ‬بوابة‭ ‬المتحف‭ ‬الكبير‭ .‬
انعطفت‭ ‬قليلاً‭ ‬ناشداً‭ ‬بناية‭ ‬التمور‭ ‬فلم‭ ‬أجدها‭ .‬
ثمة‭ ‬مقهى‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أفرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬كهوة‭ ‬ناصر‭ ‬حكيم‭ .‬
سطر‭ ‬مدهش‭ ‬من‭ ‬دكاكين‭ ‬صباح‭ ‬القيمر‭ ‬المصفر‭ ‬دسماً‭ ‬وعافية‭ ‬ودبساً‭ ‬بجوار‭ ‬الماعون‭ ‬
على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬القيصريات‭ ‬تصدر‭ ‬ضجيج‭ ‬ماكنات‭ ‬الخياطة‭ . ‬
كانوا‭ ‬يرتقون‭ ‬ويقصرون‭ ‬ويضيقون‭ ‬ملابس‭ ‬الجند‭ ‬،‭ ‬كي‭ ‬يذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬شقوق‭ ‬الموت‭ ‬البعيدة‭ ‬متأنقين‭ ‬وممتنين‭ ‬مثل‭ ‬دعاء‭ ‬مستتر‭ ‬بجيب‭ ‬شهيد‭ .‬
لم‭ ‬أعثر‭ ‬على‭ ‬شيتات‭ ‬سينما‭ ‬بغداد‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬سيارات‭ ‬الكوستر‭ ‬والريم‭ ‬الميممة‭ ‬ركابها‭ ‬صوب‭ ‬الكاظمية‭ ‬وما‭ ‬قبلها‭ ‬من‭ ‬العطيفيتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬حتى‭ ‬تدويرة‭ ‬عدن‭ .‬
خلف‭ ‬زوامير‭ ‬الشاحنات‭ ‬وعياط‭ ‬السوقة‭ ‬،‭ ‬ثمة‭ ‬دكان‭ ‬مرفف‭ ‬بأصناف‭ ‬الخمور‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬انزرعت‭ ‬ببابه‭ ‬العريض‭ ‬عربانة‭ ‬لبلبي‭ ‬ولبلوب‭ ‬ونارنج‭ ‬وابتسامة‭ ‬عافية‭ .‬
هبت‭ ‬ريح‭ ‬قوية‭ ‬ودبقة‭ ‬فوجدتني‭ ‬بمفتتح‭ ‬جسر‭ ‬الشهداء‭ ‬البائن‭ ‬من‭ ‬خشم‭ ‬الكرخ‭ .‬
لا‭ ‬تمثال‭ ‬لعدنان‭ ‬خير‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬ميناء‭ ‬الشواكة‭ ‬ظل‭ ‬ينصت‭ ‬لخلاعيات‭ ‬الملا‭ ‬عبود‭ ‬الكرخي‭ ‬،‭ ‬وقفشات‭ ‬الصيادين‭ ‬وأبلام‭ ‬الرحلة‭ ‬الرائقة‭ ‬إلى‭ ‬ذاك‭ ‬الصوب‭ .‬
قبل‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬كنت‭ ‬أعلم‭ ‬بعدد‭ ‬القناديل‭ ‬المنصوبة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الجسر‭ ‬،‭ ‬ومكان‭ ‬الثقب‭ ‬الذي‭ ‬صنعه‭ ‬صاروخ‭ ‬أمريكي‭ ‬وغد‭ .‬
في‭ ‬منظر‭ ‬مباغت‭ ‬ورحيم‭ ‬،‭ ‬لقيت‭ ‬جان‭ ‬دمو‭ ‬وكزار‭ ‬حنتوش‭ ‬وحسن‭ ‬النواب‭ ‬وعقيل‭ ‬علي‭ ‬ونصيف‭ ‬الناصري‭ ‬وجمال‭ ‬حافظ‭ ‬واعي‭ ‬وحسين‭ ‬حسن‭ ‬وصباح‭ ‬العزاوي‭ ‬وحامد‭ ‬الموسوي‭ .‬
كان‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬يحمل‭ ‬رغيف‭ ‬خبز‭ ‬مثلم‭ ‬من‭ ‬جهاته‭ ‬الأربع‭ .‬
سألتهم‭ ‬عن‭ ‬نوارس‭ ‬الجسر‭ ‬قالوا‭ ‬إنهم‭ ‬من‭ ‬أحباب‭ ‬السمك‭ .‬
عندما‭ ‬عانقني‭ ‬جان‭ ‬ورشقني‭ ‬بسطر‭ ‬من‭ ‬كلامه‭ ‬المعسل‭ ‬،‭ ‬فززتُ‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬ظمأ‭ ‬عظيم‭ .‬


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة