- آرائكم
- ربما كان المنظر كما كان
بدا الأمر مستحيلاً حتى اللحظة ، على الرغم من أنف الوقت الطويل الذي صرفته مع نفسي اللائبة ، كي أُثبت أنّ المرأة التي شاهدتها البارحة وهي تتهادى بثقل مبين في سوق الخضار الكبير ، هي نفسها جارتي الحاجة جميلة أُم محمد التي خرجت قبل ستة شهور محمولة بتابوت خشبي متهرىء يتكىء على أكتاف نائخة ووجوه خلت تماماً من كل دمع عزيز .
كان الوقت فجراً شباطياً لابطاً على مواء قطط ضالة ونثيث زخ قليل ، عندما استقر التابوت القديم ببطن شاحنة عتيقة بدت منسجمة مع تفاصيل المشهد الفقير .
صعد السائق الجاف وإلى جانبه التصق رجل ستيني أشهب تتدلى من زاوية فمه الصغير بقيا أنفاس سيجارة ، ويحمل على ظهره حدبة بارزة تكاد تحكي نصف الحكاية وربع الشك .
في الخلف كان ثمة أربعة شبان أحاطوا بالجنازة وأخفضوا رؤوسهم فوق المستطيل الميت كما لو أنهم في وظيفة حماية الجسد الضئيل من مطر بدأ يشتد ويرعد ويبرق مثل ذروة درامية صاعقة نائحة فوق دكة اللا معقول .
بعد انفناء كل هذه الشهور ، فإن منظر قدم الحاجة جميلة الذي خرج ملوّحاً من ذيل التابوت الرخيص ، ما زال يركل رأسي ويرسم أمامي لوحة مرعبة شديدة الوضوح عن أربعة شباب قساة قاموا بخنق جارتي وكان لهم في ذلك مأرب وحيد .
فكرت كثيراً بزيارة مركز شرطة الحي للإبلاغ عن جريمة محتملة وقعت برأس شباط ، لكنني تراجعت عن تلك الفكرة السخيفة التي قد تجعلني أنزرع على سور قبر رميم ، محاطاً بالشرطيين والشبان والرجل الأحدب الضئيل والأسئلة الثقيلة الغبية .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"