زيارة أردوغان إلى أثينا ومستقبل العلاقات بين تركيا واليونان
زيارة أردوغان إلى أثينا ومستقبل العلاقات بين تركيا واليونان
30 Nov
30Nov
في مجال العلاقات الدولية، حيث غالباً ما تلقي النزاعات بظلالها على التعاون، تجد تركيا واليونان اللتين يُنظر إليها تقليديا على أنهما جيران كثيروا التخاصم، نفسيهما في لحظة محورية.
فالجهود الدبلوماسية الأخيرة تشير إلى تحول محتمل نحو مستقبل أكثر تعاونا.
ويمكن إرجاع العامل المحفز لهذا التغيير إلى ما يشار إليه الآن باسم "دبلوماسية الزلزال"، وهي نتيجة غير متوقعة للزلزال المأساوي التي وقع في الولايات الجنوبية الشرقية في تركيا في السادس من فبراير/شباط. وبينما يتصارع حلفاء الناتو، تركيا واليونان، حول مجموعة من القضايا المتضاربة، بدءًا من نزاعات العسكرة على جزر بحر إيجه إلى الحدود البحرية والخلاف الدائم حول جزيرة قبرص، أدت هذه المسائل الخلافية، في بعض الأحيان، إلى اقتراب البلدين بشكل خطير من المواجهة المسلحة. مع ذلك، فإن المرحلة الدبلوماسية الحالية من التقارب تشير إلى الرغبة في الدخول في حوار بناء والتغلب على الخلافات القائمة منذ فترة طويلة. وفي خضم هذه التحديات، يعترف كلا البلدين بتأثير الجهات الخارجية، خاصة الولايات المتحدة وبعض الأعضاء المؤثرين في الاتحاد الأوروبي، في تفاقم التنافس بينهما. وتؤكد أنقرة أن أثينا، المتأثرة بالمصالح الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط، غالباً ما تقع في فخ النفوذ الخارجي. ومع ذلك، وبالرغم من هذه الضغوط الخارجية، يستعد قادة البلدين لبذل جهود متجددة لإصلاح العلاقات المتوترة. استعادة العلاقات سوف يبذل قادة البلدين مرة أخرى جهداً لاستعادة العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة في السابع من ديسمبر/كانون الأول، حيث من المخطط أن يزور الرئيس رجب طيب أردوغان أثينا كجزء من الجهود المبذولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية. وسيشارك أردوغان والوفد المرافق له في العاصمة اليونانية في اجتماع مجلس التعاون اليوناني التركي رفيع المستوى حيث سيناقشون العلاقات الثنائية مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس. قال أردوغان يوم 29 نوفمبر في خطاب أمام نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي: «كانت لدينا خلافاتنا مع جارتنا اليونان بالأمس، وسوف تكون لدينا خلافات غداً. وسيكون هناك من يسعى للاستفادة من هذه الصراعات، لكن هذه الحقيقة لا تعني أننا لا نستطيع أن نلتقي على أرضية مشتركة كدولتين متجاورتين تشتركان في نفس البحر ونفس المناخ ونفس الجغرافيا"، وأضاف: "يمكننا تطوير تعاوننا على أساس الثقة المتبادلة في العديد من المواضيع". كذلك أعرب المسؤولون اليونانيون عن نهج إيجابي مماثل. وقال وزير الخارجية اليوناني جورج يرابتريتيس في مقابلة يوم 28 نوفمبر: "ما أواصل قوله هو أنه بغض النظر عما إذا كنا قد قمنا بحل قضايانا الأساسية المتعلقة بتفويض المناطق العسكرية، فمن المهم في حد ذاته تمديد فترة الهدوء في بحر إيجه لأطول فترة ممكنة". وقد أعرب كل من أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس عن التزامهما بتعزيز مناخ إيجابي في العلاقات، كما لوحظ خلال اجتماعهما في سبتمبر في نيويورك.
الحوار أمر بالغ الأهمية لبناء الثقة ومع الاعتراف بأن الصراعات التاريخية لا يمكن حلها بسرعة، فمن الأهمية بمكان إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، خاصة خلال جهود بناء الثقة المتعلقة بالمسائل الأمنية والعسكرية. إن التعاون في معالجة الهجرة غير الشرعية، وهو التحدي المشترك لكلا البلدين، يمكن أن يكون نقطة انطلاق لسد الفجوات وتقليل التكاليف البشرية والاجتماعية المرتبطة بهذه القضية. إن توقعات أنقرة من أثينا واضحة: القضاء على تأثير الأطراف الثالثة في المحادثات المباشرة مع تركيا. فتبني نهج "الاتفاق على عدم الاتفاق" من شأنه أن يمهد الطريق أمام معادلة مفيدة للطرفين. والتركيز على الجوانب الإيجابية، مثل "الهدوء في بحر إيجه"، وتحسين العلاقات الثقافية، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية، يمكن أن يعزز سيناريو مربح للجانبين لكلا البلدين. في المشهد المعقد للعلاقات الدولية، لا تحتاج الدول إلى الاتفاق على كل الأمور. فالتقسيم والانفتاح على الحوار والتفاوض حول الخلافات يمكن أن يكشف عن آفاق جديدة للتعاون. ومن خلال التركيز على الجوانب الإيجابية، تستطيع تركيا واليونان تقليل تأثير القضايا التي أدت إلى توتر العلاقات بينهما تاريخياً. وبعيداً عن الخلافات السياسية، وقفت الجارتان باستمرار إلى جانب بعضهما البعض في أوقات الكوارث غير السياسية والتحديات الإنسانية، مثل حرائق الغابات أو الزلازل. إن التاريخ المشترك ــ مع الأخذ في الاعتبار أن قراءات التاريخ قد تكون مثيرة للجدال اعتماداً على من يقرأها ــ وأوجه التشابه الثقافي، الواضحة في جوانب مثل الطعام والموسيقى، توفر بعداً إضافياً للجهود الدبلوماسية الرامية إلى إصلاح العلاقات المتوترة. أخيراً، بينما تدير تركيا واليونان علاقتهما المعقدة، يبقى أن النهج الإيجابي الذي يحقق المنفعة المتبادلة قد يجعلهما أقرب مما قد توحي به الجغرافيا السياسية التاريخية، مما يعود بالنفع على كلا البلدين.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"